Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا هو جواب القسم ، الحق سبحانه يرد على كفار مكة ، ويقسم لهم : إنك يا محمد لمن المرسلين ، والمتكلم حين يرى المخاطب خالي الذَِّهْن عن الأمر الذي يتحدث فيه يُلقي له الكلام طبيعياً بدون تأكيد ، فإنْ كان شاكاً في الكلام أو مُنكِراً له أكّد المتكلمُ كلامه بمؤكِّد يناسب الشكَّ أو الإنكار . لذلك الحق سبحانه يؤكد هنا كلامه بأكثر من مؤكد { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 3 ] فاستخدام التأكيد بإن واللام ، وقبل ذلك القسم لأن الكفار منكرون لرسالته صلى الله عليه وسلم ، وعلى قدْر الإنكار يكون تأكيد الكلام . وتأمل في ذلك قوله تعالى : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 14 ] وكانت النتيجة الإنكار { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ يس : 15 ] . لذلك يؤكدون كلامهم بأكثر من مؤكد : { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] . وقلنا : إن هذه الآية جاءت دليلاً وبرهاناً في صورة اليمين ، كأن الله يقول : الذي يقرأ القرآن لا بُدَّ أن يؤمن بأنك يا محمد مُرسَل من الله ، لماذا ؟ لأنهم أمة كلام وتذوُّق ، وما وُجِدت أمة من الأمم حتى المعاصرة تقيم معارض للكلمة ، أما العرب في جاهليتهم فقد أقاموا للكلمة أسواقاً ومعارض يتبارى فيها الخطباء والشعراء كل عام في المربد وعكاظ وذي المجنة وغيرها . وقد بلغ اهتمامهم بالكلمة أن يعلقوا أروع قصائدهم على أستار الكعبة ، وما دام العرب أمة كلام ، إذن : كان عليهم أنْ يستقبلوا القرآن بهذه المَلَكة ، وألاَّ يخفى عليهم إعجازه ، لكنهم كذَّبوه وقالوا : سحر وقالوا : شعر وقالوا : افتراء . فلما أعيتهم الحيل ولم ينالوا من ذلك شيئاً قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني : القرآن لا غبار عليه إلا أنه ينزل على محمد ، هذه آفته عندهم لأن مَلَكتهم البلاغية لا يصح أن تقف أمام القرآن أو تُكذِّبه . لذلك كانوا حتى وهُمْ على كفرهم يحبون سماع القرآن ، يتخفَّى الواحد منهم ، ويذهب يتسمَّع القرآن من رسول الله ليلاً ، وربما تقابل الاثنان منهم عند حجرات رسول الله ، فسأل أحدهما الآخر : ماذا أتى بك إلى هنا يا فلان ، فلا يملك إلا أنْ يقول : جئتُ لزيارة خالتي المريضة ، والآخر يقول جئت لكذا وكذا ! ! لكن هيهات فحالُه يُغني عن مقاله . لذلك تأمل قول الشاعر في هذه المسألة : @ انْظُروهُمْ وقَدْ تَسَلَّل كُلٌّ بَعْدمَا انفَضَّ مجلِسُ السُّمَّارِ اخْتِلاساً يَسْعَى لحجرةِ طه لِسَماعِ التنزيل في الأسْحَارِ اعذروهم حسنه فَلمَّا تَراءَوْا علَّلوها ببَارِدِ الأعْذَارِ @@ لذلك كان الواحد منهم حينما يسمع القرآن من رسول الله ويعود إلى قومه ، فيقولون : لقد رجع فلان بغير الوجه الذي ذهب به .