Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 114-122)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا موكب أُولِي العزم من الرسل ، فبعد أنْ حدَّثنا القرآنُ عن سيدنا إبراهيم ، يحدثنا عن سيدنا موسى { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [ الصافات : 114 ] منَّ الله على موسى وهارون مِنَّةَ عطاء ، بأنْ جعلهما رسولين إلى بني إسرائيل ، ومنةَ نَصْر بأنْ نصرهما على فرعون وجنوده { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [ الصافات : 115 ] والمراد فرعون ، ووصفه الله بالكرب العظيم ، لأن فرعون لم يكُنْ رجلاً متسلطاً على الناس كملك ، إنما متسلط عليهم كإله ، وقد أراد الكيد بموسى عليه السلام ، وأراد الكيد لقومه في مصر ، حيث أخذ منهم الخدم والفعلة والسحرة . وكلمة فرعون تُطلق على ملوك مصر القدماء ، فكل واحد منهم يسمى فرعون ، لكن في سورة يوسف سُمِّي حاكم مصر العزيز والملك ولم يقُلْ فرعون ، لماذا ؟ قالوا : لأنه بعد أنْ فُكَّ حجر رشيد علمنا أن الهكسوس حينما أغاروا على مصر كانوا ملوكاً في مصر لا فراعنة ، فلما عاد الأمر إلى فرعون كان بنو إسرائيل في خدمة الفرعون بسبب وقوفهم إلى جوار المحتلين الهكسوس ، فاضطهدهم الفرعون وأعوانه . فمعنى { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [ الصافات : 115 ] أي : من فرعون ومن الاستعباد ، حيث خرج بهم موسى - عليه السلام - فأدركه فرعون بجنوده حتى حاصرهم عند البحر ، فكأن البحر من أمامهم ، وجيش فرعون من خلفهم . وما أشبه هذا الموقف بموقف طارق بن زياد في فتح الأندلس ، حين قال لجنوده : إن البحر من أمامكم ، والعدو من ورائكم . وعندها أيقن بنو إسرائيل أن فرعون سيلحق بهم ويدركهم فقالوا لموسى عليه السلام : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] لأن شواهد الواقع تدل على ذلك فهم لا محالة مُدْركون بقوانين البشر ، لكِنْ لموسى مع ربه قانونٌ آخرُ ، جعل موسى عليه السلام يقول بملء فيه كلا كلا لن نُدْرَكَ ، قالها بما لديه من ثقة بربه ، وبما لديه من الرصيد الإيماني : { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] وفعلاً ، جاءه الفرج لِتوِّه ، وأمره ربه أنْ يضرب بعصاه البحر ، وكان ما تعلمون من القصة . ثم يقول سبحانه { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } [ الصافات : 116 ] نعم ، وأيّ غَلَبة ؟ لأن هناك فرقاً بين أنْ تغلبَ عدوك ويظل المغلوبُ حياً يُرزَق ، وبين أنْ تغلبه غلبة تُبيده من الوجود ، والذي حدث في قصة موسى وفرعون أن الله قضى على فرعون وجنوده قضاءً مُبْرماً . ثم { وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ } [ الصافات : 117 ] المستبين الذي بلغ النهاية في البيان ، والمراد بالكتاب التوراة ، وقد وصف الحق سبحانه وتعالى - التوراة في موضع آخر ، فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } [ الأنبياء : 48 ] . وقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الصافات : 118 ] أي : المنهج القويم الموصِّل إلى الله من أقرب طريق { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [ الصافات : 119 - 120 ] يعني تركنا لهما الذكْر الحسن فيمَنْ يأتي مِنْ بعدهم ، فكلُّ مَنْ يسمع قصة موسى وهارون ومواقفهما وثباتهما في الحق يقول سلام عليهما { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الصافات : 121 ] أي : موسى وهارون . ومعلوم أن هارون جاء بطلب من موسى لما قال لربه : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } [ القصص : 34 ] فاستجاب الله لطلب موسى وأيَّده بأخيه هارون ، وجعلهما معاً رسولاً واحداً إلى بني إسرائيل . والقرآن يُبيِّن لنا هذه المسألة ، وأنهما كانا كرسول واحد في قوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 88 ] . فيردّ الحق سبحانه : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ يونس : 89 ] ، مع أن الداعي موسى وحده ، لكن في الجواب قال { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ يونس : 89 ] أي : موسى وهارون لأنهما في مجال الرسالة واحد ، لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، فدعوة موسى هي دعوة هارون . وقد حاول بعض العلماء أن يُقرِّبوا لنا هذه المسألة ، فقالوا : أجاب الله موسى بقوله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ يونس : 89 ] لأن موسى دعا ، وهارون أمَّنَ على دعائه ، والمؤمِّن أحد الداعين . ثم يقول سبحانه عن موسى وهارون : { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 122 ] ثم ينتقل السياق إلى نبي آخر ، هو سيدنا إلياس : { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ … } .