Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 167-170)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهم : { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً } [ الصافات : 168 ] أي : كتاباً ووَحْياً مُنزلاً { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الصافات : 168 ] كالذي أُنزِل على الرسل السابقين { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 169 ] وعجيبٌ منهم أنْ يبرروا شركهم بهذه الحجة ، وقد جاءهم سيد المرسلين جميعاً ، فالرسل السابقون كانوا محدودي الرسالة زماناً ومكاناً ، وكانوا جميعاً قبل رسول الله مُكلَّفين بنقل حكم الله إلى الخَلْق ، أمَّا رسول الله : فهو الرسول الوحيد الذي فُوِّض من الله أنْ يُشرِّع للخلق لأن رسالته عامة في الزمان وفي المكان إلى قيام الساعة . إذن : كيف تريدون ذِكْراً من الأولين ، ومعكم خاتم الرسل المشرِّع الذي تأتيه من الله القضية الكلية فيُبيِّنها ويشرحها ويُفصِّلها . وقوله : { فَكَفَرُواْ بِهِ } [ الصافات : 170 ] يعني : لما جاءهم الرسول الذي يطلبونه كفروا به . إذن : المسألة مسألةَ لَجَج وعناد وكبرياء في قبول الحق والانقياد له { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الصافات : 170 ] حَرْفا السين و سوف يدلان على الاستقبال ، لكن سوف أبعد في الزمن من السين . فقوله تعالى { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الصافات : 170 ] احتياط زمني من القرآن الكريم ، فالفعل { يَعْلَمُونَ } [ الصافات : 170 ] مضارع للحال وللاستقبال ، أما سوف فهي للمستقبل البعيد عن مستقبل السين ذلك لأن المعاصرين لنزول القرآن منهم مَنْ سيموت قبل أنْ يرى عاقبة المشركين ، وقبل أنْ يشهد ظهور الإسلام وانتصاراته . فإنْ كان قد مات قبل أنْ يعلمَ فسوف يعلم في الآخرة ويرى العاقبة ، هذا لغير المؤمن ، أما المؤمن فليس في حاجة إلى هذا العلم لأنه صدق الله فيما أخبر ، ومن ذلك قول الإمام علي رضي الله عنه . لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً . لذلك لما نزل قول الله تعالى - وكان المسلمون في كَرْب وشدة وضيق قبل الفتح : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] والسين تدل على المستقبل القريب تعجب سيدنا عمر وما أدراك ما عمر ، كان القرآن ينزل على مقتضى ما يرى ، ومع ذلك تعجَّب وقال : أيُّ جمعٍ هذا ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا وأهلنا ، فلما جاء الفتح وانتصر المسلمون وحدث ما حدث قال : صدق الله { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] . فالمؤمن مُصدِّق بما أخبر الله به ، لأنه أمر قُضِي أزلاً في علم الله ، وما دام قُضِي بالفعل في الأزل ، ولا توجد قوة معارضة تنقض ما قضى الله به ، وما دام الله تعالى لا يعتريه عجْزٌ يمنعه أنْ ينفذ ما قضى فهو واقع لا محالة . والمثال الواضح في هذه المسألة قوله تعالى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] تعلمون أن علماء النحو يقولون : الفعل ماض وهو ما دلَّ على حدوث فعل في زمن مضى وانتهى ، ومضارع : وهو ما يدل على الحال أو الاستقبال ، إذن : كيف نجمع بين { أَتَىٰ } الماضي و { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] . والنهي عن استعجاله يدل على المستقبل ، أي : أنه لم يَأْتِ بَعْد ؟ نقول : الذي يتكلم بهذا الكلام هو الله لا نحن ، والله تعالى لا يحكمه زمان ، فإذا أخبر بأمر فهو واقع لأنه لا رادَّ لما قضى أزلاً ، فأمْرُ الله أتى أزلاً فلا تستعجلوه واقعاً .