Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 35-37)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله سبحانه : { إِنَّهُمْ } [ الصافات : 35 ] أى : الكفار الذين وُصِفُوا بالإجرام { كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [ الصافات : 35 ] أي : يستكبرون عن قبولها والتصديق بها { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا } [ الصافات : 36 ] يعني : منصرفون عن عبادتها { لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } [ الصافات : 36 ] أي : من أجله ، ومن أجل دعوته . وعجيب من العرب وهم أمة كلام يُقدِّرون الكلمة ويتذوَّقونها ، ويجعلون لها أسواقاً ومعارض ، ويُكرِّمون الشعر والشعراء ، لدرجة أنهم علَّقوا أجود قصائدهم على أستار الكعبة ، عجيب من قوم هذا حالهم أنْ يقولوا { آلِهَتِنَا } [ الصافات : 36 ] وهم يعلمون تماماً معنى الآلهة ومعنى العبادة ، فالإله يعني المعبود فبأى حَقٍّ عُبِدَتْ الأصنام ؟ بماذا أمرتكم ؟ وعن أي شيء نهتْكم ؟ ما المنهج الذي جاءتكم به ؟ نعم هم يعلمون أنها جمادات ، لا تضر ولا تنفع ، لكن عبدوها بفطرة التديُّن في الإنسان ، فالإنسان بطبعه مُتدين يحب أن يستند إلى قوة أعلى منه يلجأ إليها عند الشدة ، قوة تعينه على التجلُّد والتصبُّر للأحداث ، وقد وجدوا في هذه الآلهة أنها آلهة بلا تكاليف وبلا متطلبات ، فعبدوها من دون الله . ثم عجيبٌ منهم وهم أمة كلام ألاَّ يفرقوا بين كلام الله في القرآن وبين الشعر ، وهم أعلم الناس به وبأوزانه وقوافيه ، فأين الشعر من كلام الله في القرآن ؟ ثم عجيب منهم أنْ يتهموا رسولَ الله بالجنون ، وهم أعلمُ الناس به وبأخلاقه وصفاته وسيرته فيهم قبل بعثته ، وما أبعدَ الجنون عن الذي جمع محاسن الصفات وكريم الأخلاق ! ! الجنون أنْ يتصرّف المجنون بجوارحه تصرُّفاً لا يمرُّ على العقل ، المجنون لا يفاضل بين الأشياء ، ولا يعرف الضَّارَّ من النافع ، المجنون ليس له خُلُق ، لذلك يردُّ الحق عليهم ويدفع عن رسوله اتهاماتهم ، فيقول : { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 1 - 4 ] . لذلك يقول تعالى هنا : بل وهي للإضراب عن الكلام السابق ، يعني : دَعْكَ من هذا الهُرَاء { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ } [ الصافات : 37 ] بالشيء الثابت الذي لا يتغير { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 37 ] صدق مَنْ سبقوه من الرسل في منهج الله .