Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 62-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الآيات هنا تراوح بين ذِكْر الجنة وما فيها من النعيم ، وذِكْر النار وما فيها من العذاب ، فتعود مرة أخرى إلى جهنم وعذابها ووَصْف ما فيها { أَذَلِكَ } [ الصافات : 62 ] أي : ما سبق ذكْره من نعيم الجنة { خَيْرٌ } [ الصافات : 62 ] أفضل ، فهي بمعنى أفعل التفضيل . { نُّزُلاً } [ الصافات : 62 ] أي : مَنْزِلاً وضيافةً . فالنُّزُل مَا يُعَدُّ للضيف الطارئ من مسكن ، فيه مُقوِّمات الحياة من مأكل ومشرب وخلافه ، لذلك يسمون الفندق نُزُل ، والفنادق مع ما فيها الآن من سبل الراحة هي ما أعدَّه البشر للبشر ، فما أدراك بما أعدَّه ربُّ البشر ؟ لا بُدَّ أنْ تكون الضيافةُ على قدر إمكانات المضيف . { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } [ الصافات : 62 ] وطبيعي أن نسألَ : ما هي يا ربّ شجرةُ الزَّقُّوم ؟ فيصِفُها الله لَنَا { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } [ الصافات : 63 ] فتنة بمعنى : محنة وعذاب { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 64 ] أي : في وسطها . وهذا مظهر من مظاهر طلاقة القدرة ، فلا تسأل عن كيفية نُمو شجرة في وسط النار لأن الفاعل هو الله عز وجل . إذن : خُذْها في إطار تنزيه الحق عن قوانين الخَلْق . ومعنى { طَلْعُهَا } [ الصافات : 65 ] أي : ثمرها { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] لكن نحن لم نَرَ رءوس الشياطين ، لذلك وقف بعض المستشرقين الذين يحاولون الاستدراك على كلام الله ، وقف يقول : كيف يُشبِّه اللهُ في هذه الآية مجهولاً بمجهول ، فنحن لم نَرَ شجرةَ الزقوم ، ولم نر رءوس الشياطين ، والتشبيه يأتي لتوضيح المشبّه بذكر المشبَّه به ، فما فائدة أنْ تُشبه مجهولاً بمجهول ؟ نقول : مُخ الإنسان فيه جزء للحافظة ، وجزء للذاكرة ، وجزء للتخيُّل يُسمَّى مُخَيلة ، فالإنسان يرى الأشياء ، فتسجلها الحافظة في حاشية الشعور ، ثم الذاكرة تستدعي له هذه الأشياء ، أما المخيلة فتأخذ من واقع الأشياء وتكوِّن صوراً جديدة مُتخيَّلة ، لا أصلَ لها في الواقع . هنا أنت مع هذا التشبيه { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] مع أنك لم تَرَ رءوس الشياطين ، إلا أن خيالك سيرسم لها صورة على أبشع ما يكون ، وعندها سيتضح لك الفارق بين النُّزُل الذي أعَدَّهُ الله للمؤمنين في الجنة وهذه الشجرة التي ثمارها كرءوس الشياطين ، فالجمع بين هاتين الصورتين مقصود ، فكأن ربّكَ عزَّ وجلَّ أراد أنْ يسوقَ لك العِظَة في وقت الجزاء المشهود ، لا في وقت التكذيب . وشجرة الزقوم شجرة خبيثة ، مُنتنة الرائحة ، مُرَّة الطَّعْم ، موجودة في منطقة تهامة ، جعلها الله مثلاً للشجرة التي تنبت في أصل الجحيم ، قالوا : هذا بمثابة تقريع للمعذَّبين بهذه الشجرة ، لأنهم كانوا يُكذِّبون بالبعث وبالحياة بعد الموت ، فجعل الله لهم هذه الشجرة تنبت في وسط جهنم وفيها طعامهم ، فلا طعم لهم غير ثمرها . والشجرة تعني الخضرة والمائية ، ومعلوم أن المائية تنافي النار ، وفي هذا إشارة إلى طلاقة القدرة التي كذَّبوا بها في الدنيا . إذن : كَوْن هذه الشجرة في أصل الجحيم ، وهم يعيشون على ثمرها ويحتاجون إليها وهي شاخصة أمامهم ، هذا كله تقريع لهم على ما كذّبوا به . وهذه المسألة تُذكِّرنا بسيدنا إبراهيم - عليه السلام - حين أُلْقِي في النار ، فجعلها الله عليه بَرْداً وسلاماً ، وعطَّل بقدرته تعالى قانون الإحراق . الحق سبحانه يريد أنْ يُبشِّع صورة هذه الشجرة ، مع أن العرب يعرفون شجرة بهذا الاسم ، ويعرفون خُبْثَها ونَتْن ريحها ومرارة طَعْمها ، ويعرفون طَلْعها البسيط ، لكن أحداً لم يَرَ الطَّلْع الذي يُشبه رءوس الشياطين . إذن : المراد تبشيعه وإعطاء الفرصة للتخيُّل أنْ يذهبَ في تصوُّر بشاعته كلَّ مذهب ، فطَلْع كل شيء يكون جميلاً ، بل هو أجمل ما في الشجرة ، أما هذه فطَلْعُها كأنه رءوس الشياطين ، ولك أنْ تتصوَّر ما فيه من القُبح والدَّمَامَة والشكل المنفِّر . ومعلوم أن العرب كانت تعتقد أن الشياطين أقبحُ صورة ، ويقابله الملاك أحسن وأجمل صورة ، ومن ذلك قول النِّسْوة لما رأيْنَ يوسف عليه السلام : { حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [ يوسف : 31 ] . إذن : رَاعَى القرآن في هذا التشبيه معتقدات العرب ، وجاء بصورة مجهولة . نعم لكن سيتصورَّها كلُّ واحد بمقاييس القبح عنده ، ولو أتى بمثَل محدَّد معروف في القُبْح ، لكَانَ على لَوْنٍ واحد ، وربما كان قبيحاً في نظر شخص وغير قبيح في نظر الآخر ، لكن الحق سبحانه يريد منظراً مُقبَّحاً عند الكل ، ومَنْ مِنَّا يتصوَّر الشيطانَ جميلاً ؟ لذلك قلنا : إذا جئنا برسامي الكاريكاتير في العالم ، وقلنا لهم : ارسموا لنا صورة تخيُّلية للشيطان ، فسوف يرسم كلٌّ منهم صورةً للقبح في نظره ، ولن تجد فيها صورة مثل الأخرى . إذن : جاء تشبيه طلْع شجرة الزقوم برءوس الشياطين ، ليُشيعَ معاني القبح جميعاً في النفوس ، وهذه الصورة كفيلة بأنْ تُنفِّرنا من هذه الشجرة . وأصل الطَّلْع هو الكِمُّ الذي يحوي أول ثمرة للشجرة ، ويُقَال للكوز الذي يحوي ثمرة النخل وما يشبهها . فإذا خرجتْ منه الشماريخ ، وبانت استدارته وتكوينه يسمى بلح طالما كان أخضرَ اللون . والبلحة لها ثلاثة أوصاف : الأول : حجمها ، فإذا أخذتْ حجمها الطبيعي والنهائي يبدو دون لون ، فتتلوَّن إما حمراء أو صفراء ، وفي هذه المرحلة يقولون البلح عَفَّرْ ويسمونه زهو . الثاني : إذا استقر اللون وكمُلَتْ حُمْرته أو صُفْرته يُسمُّونه بُسْر . الوصف الثالث : بعد الحجم واللون يأتي القوام : لين أو يابس بحسب البيئة ، فإنْ كانت حارة جافة ، فإنها تؤثر على البُسْر وتُجفِّفه ، فيتحول إلى تمر ، وإنْ كانت البيئة باردة رطبة صار البُسْر رطباً .