Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { قِطَّنَا } [ ص : 16 ] أي : نصيبنا وجزاءنا ، وأصلها من القطعة كانوا يكتبون فيها الجائزة . يعني : إنْ كنا مذنبين عَجِّل لنا العذاب الآن قبل يوم القيامة ، لكن كيف يأتيكم العذاب الآن في الدنيا والدنيا فانية ، ينتهي العذاب بفَنَائها ، فكأن عذابهم في الدنيا لا يكفي جزاءً لهم على كفرهم لذلك يُؤخِّره الله لهم إلى يوم القيامة ، وهي دار بقاء وإقامة لا نهاية لها . والحقيقة أن الصيحة ليست هي التي ستُعذِّبهم ، إنما هي مجرد جرس إيذاناً ببدء هذا اليوم . والحق - سبحانه وتعالى - يشرح لنا هذا الموقف منهم ويُوضِّحه في قوله تعالى { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . وهذا دليل غبائهم ، فهل يدعو عاقل بمثل هذا ؟ وكأن الحق سبحانه يريد أنْ يُدلِّل لنا على أن موقفهم في العناد والتأبّي على الرسالات ضد نفوسهم ، فبدل أنْ يقولوا فاهدنا إليه يقولون { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . لذلك الحق سبحانه يتعجب من استعجالهم العذاب : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [ الصافات : 176 - 177 ] . وعجيبٌ من كفار مكة أن يقولوا { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] فهل يؤمنون بهذا اليوم ؟ إذن : لماذا ينطقون به ويعترفون بوجوده حتى يظهر في فلتات ألسنتهم ؟ قالوا : إنه تنبُّه مواجيد الفطرة قبل أنْ يعمل العقل الماكر ، فالذي يكذب يُعمِل عقله في الكذب ، ولابُدَّ له أنْ يكون ذَكُوراً لأن الكذب ليس له واقع ثابت . لذلك كثيراً ما يكذب الإنسانُ كذبةً اليوم ، ويكذب خلافها غداً ، فالصادق لا يتغير كلامه لأنه يحكي واقعاً ، أمَّا الكاذب فيحكي غير الواقع لذلك قالوا : إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذَكُوراً ، مثل رجل كاذب يحكي ويقول : ذهبنا إلى البندر ليلة العيد الصغير ، وكانت الدنيا قمر ضهر ! ! كيف ؟ والمحقق الماهر هو الذي يستغل هذه المسألة ليعلم صِدْقَ الأقوال من كذبها ، فالصادق يحكي واقعاً ، فلو سأله المحقِّق ألف مرة لجاءتْ أقواله واحدة ، أمَّا الكاذب فيحكي خيالاً لا بُدَّ أنْ تتضارب فيه الأقوال فينكشف زَيْفه ، الواقع يُملي نفسه عليك ، أمَّا الكذب فيُمليه الإفك والتلفيق ، فلا تدري على أيِّ صورة يكون . فقولهم : { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] جاء منهم فَلْتة لسان كشفتْ عَمَّا يؤمنون به بين أنفسهم ، ومثلها قول المنافقين : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } [ المنافقون : 7 ] . فجعلوا النفعية هي المقياس ، فكأن أتباع محمد حين لا ينفق عليهم سينفضُّون من حوله ذلك لأن الأمور عندهم مادية ، وكل شيء عندهم له ثمن . وقالوا : لما فَتَر الوَحْي عن رسول الله : إنَّ ربَّ محمد قَلاَه ، هكذا تسرقهم المواجيد الفطرية ، ويظهر الحق في فَلَتات الألسنة عندما تتنبه الغريزة والفطرة ، ويغيب العقل الماكر المدبر . أو أنهم قالوا : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ ص : 16 ] على سبيل الاستهزاء بالوعيد الذي توعَّدهم الله به ، فهم لا يؤمنون بهذا العذاب ولا يثقون في وقوعه ، فاستعجالهم له استهزاء به ، فكأنهم قالوا : هات لنا العذاب فنحن مشتاقون لعذابك ، فلا تُؤخِّرْه إلى يوم الحساب ، وهذا التهكم لا يليق مع قولهم { رَبَّنَا } [ ص : 16 ] .