Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-1)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبق أنْ تكلمنا عن الحروف المقطعة في فواتح السور ، وقلنا : إن الحق سبحانه بدأ بعضها بحرف واحد مثل : ص و ن و ق ، وبعضها بحرفين مثل : طس وحم وبعضها بثلاثة أحرف مثل : الم ، وبعضها بأربعة مثل : المص ، وبعضها بخمسة مثل كهيعص و حم عسق . وقلنا : إن الحروف على قسمين : حروف مبنى وحروف معنى ، حروف مبنى هي التي تتكوَّن منها الكلمة مثل : كتب فهي مبنية من الحروف : الكاف والتاء والباء ، إنما الكاف وحدها أو التاء ليس لها معنى بمفردها . أما حروف المعنى مثل تاء الفاعل في كتبتُ لأنها دَلَّت على الفاعل المتكلم ، وكتبتَ الفاعل المخاطب ، وكتبتِ للمؤنثة المخاطبة . وقلنا : إن حروف اللغة عبارة عن ثمانية وعشرين حرفاً ، جاء منها في فواتح السور أربعة عشر حرفاً ، وأحسنُ ما قيل فيها إنها مادة كلمات القرآن ، ولَبنات بنائه ، ومع أن العرب يعرفون هذه الحروف وينطقونها إلا أنهم عجزوا عن محاكاة القرآن والإتيان بمثله ، مع أن هذه صنعتهم ومجال نبوغهم وتفوقهم ، نعم الحروف هي الحروف ، والكلمات هي الكلمات ، لكن المتكِّلم بالقرآن هو الله فلا بُدَّ أنْ يعجزوا . وقوله تعالى { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] دليل على الإعجاز وحامل الإعجاز ، فكلمة ص حرف من مكونات القرآن ، والقرآن مُعجز لأن العرب عجزتْ عن الإتيان بمثله ولو آية واحدة من آياته ، وهي أمة بيان وكلام وفصاحة ، وهي الأمة الوحيدة التي جعلتْ للكلمة معرضاً ، وللبلاغة أسواقاً في عكاظ ، والمربد وذي المجنة ، وقد بلغ بهم تقديس الكلمة إلى أنْ علَّقوا الجيد منها على أستار الكعبة . لذلك جاءتْ معجزته صلى الله عليه وسلم من جنس ما نبغ فيه قومه . فالمعنى ص أي : حرف من حروفهم { وَٱلْقُرْآنِ } [ ص : 1 ] الذي عجزوا عنه ، والقرآن مرة يُطْلَق عليه الكتاب لأنه مكتوب ، ويُطلق عليه القرآن لأنه مقروء ، فهو مكتوب في السطور ومقروء ، ومحفوظ في الصدور . ومعنى { ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] أي : صاحب الذكر ، وكلمة الذكر تُطلَق على معان عدة مثل : كلمة عين تُطلق على عين الماء ، وعلى العين الباصرة ، وعلى الذهب والفضة ، وعلى الجاسوس ، وتُطلق على الوجيه من الناس ، والسياق وذكاء السامع هو الذي يُحدِّد المعنى ، فهذه المعاني بينها مشترك لفظي يجمعها ، وهذه من مميزات اللغة . كذلك قلنا مثلاً : كلمة النجم تُطلَق على النجم في السماء ، وتُطْلَق على النبات الذي لا ساقَ له ، ومنه قوله تعالى : { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] . ومن ذلك قول الشاعر : @ أُرَاعِي النَّجْمَ في سَيْرِي إليكُمُ ويَرْعَاهُ مِنْ البَيْدَا جَوَادِي @@ فكلمة الذكر تطلق على القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] ويُطلق الذكر على كتب الرسل السابقين ، كما في قوله تعالى : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] . ويُطلق الذكر على الصِّيت والسمعة ، كما جاء في قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 44 ] أي : القرآن . وفي قوله تعالى : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ … } [ الأنبياء : 10 ] وما ارتفع العرب ولا علَتْ لغتهم إلا لأنها لغة القرآن . ويُطلق الذكر أيضاً على التذكُّر ، كما في قوله تعالى : { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ … } [ يوسف : 42 ] . ويُطلق الذكر على التسبيح ، كما في قوله تعالى : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ النور : 36 - 37 ] . ويُطلق الذكر على معنى آخر ، هو العطاء الجيد من الله ، والعمل الطيِّع من العبد . إذن : فلفظ الذكر أشبه في القرآن بالماسة تتلألأ في يدك ، كلما قلَّبتها وجدتَ لها بريقاً . فكلُّ هذه المعاني تدخل تحت قوله تعالى : { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] .