Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حين يستفهم منك بقوله { وَهَلْ أَتَاكَ } [ ص : 21 ] فاعلم أنه دليلٌ على أن هذا الشيء كان يجب أنْ تعلمه ، تقول : هل أتاك كذا وكذا يعني : أتاك ومثله قوله تعالى : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ الإنسان : 1 ] . المعنى : أتى على الإنسان وقت من الدهر لم يكُنْ شيئاً مذكوراً إنما أتى الأسلوبُ بصيغة الاستفهام لتأتي أنت بالمراد ، فيكون إقراراً منك ، والإقرار لا يُكذِّب على خلاف الإخبار بالمراد فالإخبار يحتمل عقلاً الصدقَ ويحتمل الكذبَ . أو : أن هذا الأسلوب للتشويق للنبأ . والنبأ ليس هو مطلق الخبر إنما هو الخبر العظيم الذي ينبغي أنْ يُعلم لذلك يُهتم به ، فليس من قبيل النبأ أنْ تقول مثلاً : أكلتُ اليوم كذا وكذا ، لذلك حين يخبرنا الحق سبحانه عن أمر القيامة يقول : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [ النبأ : 1 - 3 ] . وكلمة { ٱلْخَصْمِ } [ ص : 21 ] تطلق على المفرد والمثنى والجمع بنوعيه تقول : هذا خصم وهذه خصم ، وهؤلاء خَصْم … إلخ وقد تُثنَّى مع المثنى كما في : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } [ الحج : 19 ] لذلك جاءت بعدها { إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } [ ص : 21 ] بصيغة الجمع . ومعنى تسوروا : تسلقوا : لأنهم لم يدخلوا من الباب ، إنما دخلوا من أعلى السور ، وهذا دليل على أن هؤلاء الخَصْم لم يأتوا من جهة الأرض ، إنما من جهة السماء ، فكانوا جماعة من الملائكة في صورة بشر ، والمحراب : هو المكان المقدَّس الذي يجعله الإنسان لخُلْوته ومناجاته لربه ، ومن ذلك قوله تعالى في السيدة مريم : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً … } [ آل عمران : 37 ] ونحن نُسميه الآن القبلة . ثم يقول سبحانه : { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } [ ص : 22 ] الإشكال هنا كيف يفزع سيدنا داود لرؤية هؤلاء وهو في حضرة الله وفي حضانته ، وبين يديه يصلي ويتعبَّد ويُسبِّح ؟ وكيف أن الحق سبحانه يُفزع عبده ونبيه ، وهو بين يديه ؟ ! ! قالوا : الفزع على قسمين : فزع يُحرِّك قلبك بالجزع ولكن قالبك سليم لم يتأثر . وفزع آخر ينضح من القلب على القالب فيتأثر حتى تظهر عليه علامات الفزع . وقد كان فزع سيدنا داود من النوع الثاني ، لماذا ؟ قالوا : لأن الملائكة حين رأوْه على هذه الحال قالوا له { لاَ تَخَفْ } [ ص : 22 ] ولا يقولون له ذلك إلا إذا انفعلَ قالبُه انفعالاً يدلُّ على الخوف ، فهذا دليل على أن الفزع تجاوز قلبه إلى قالبه . ونفهم أيضاً من قولهم له { لاَ تَخَفْ } [ ص : 22 ] أنهم ليسوا من رعيته ، وليسوا من البشر لأن واحداً من الرعية لا يجرؤ أنْ يقول للملك : لا تخف . وقولهم : { خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } [ ص : 22 ] يدلُّ على اتفاقهم رغم خصومتهم ، فقد تكلَّموا جميعاً في نَفَس واحد ، أو تكلَّموا بالترتيب ، أو تكلم واحد منهم وأمَّن الباقون ، والمُؤمِّن أحد الداعين ، فكونهم تكلموا بهذه الصورة المنظمة وأيديهم في أيدي بعض ، فهذا يدلنا على أنه خلافَ بينهم ، ولا يطمع أحد منهم في الآخر ، إذن : ما المسألة ؟ وما حقيقة مجيء هؤلاء على هذه الصورة ؟ لا بُدَّ أن لهم هدفاً آخر . ومعنى بغى حاول أنْ يطغى وأنْ يظلم { فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ } [ ص : 22 ] هذا القول منهم دلَّ على جراءتهم ، ودلَّ على أنهم من ملأ آخر غير البشر من الملائكة . ومعنى { وَلاَ تُشْطِطْ } [ ص : 22 ] يعني : لا تبتعد عن الحق ولا تَجُرْ . { وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } [ ص : 22 ] اهدنا أي جميعاً دون تمييز بين واحد وآخر ، فهم خصم لكن سواء بدل قولهم { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } [ ص : 22 ] دون أن يميزوا الباغي من الذي بُغِي عليه ، والصراط هو الطريق المستقيم ، وسواء الصراط يعني وسطه ، والمعنى : دُلَّنا على الحق أو عين الحق ، ثم أخذوا في عرض قضيتهم : { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً … } .