Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 59-61)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات تصور لنا موقفاً من مواقف القيامة دار بين أهل الشر الذين تعاونوا عليه واجتمعوا من أجله ، بين الأخلاء على الشر ، وهذا الحوار عناصره ثلاثة ، هم : الملائكة خَزَنة النار ، وزعماء الكفر الذين سبقوا إلى النار ، ثم أتباعهم من الذين أضلوهم ، يقول الملائكة لزعماء الكفر : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } [ ص : 59 ] يُنبهون أهل النار أن جماعة من أتباعكم قادمة إليكم . ومعنى { مُّقْتَحِمٌ … } [ ص : 59 ] يعني : داخل النار بشدة وبسرعة ، لكن كيف يسرع الداخل وهو داخل إلى النار ؟ قالوا : لأنه لا يسير بإرادته ، إنما يُجبر على الحضور ويُدفع إلى الدخول رَغْماً عنه ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] . والفوج هو الجماعة أو الطائفة كما نقول : فوج الحجاج ، أو فوج المسافرين . فماذا قال زعماء الكفر الذين هم في النار ؟ قالوا : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } [ ص : 59 ] يعني : لا سعةَ ولا تحيةَ ولا تكريم ، هكذا حال الأخلاء على شَرٍّ ، ففي الآخرة تنقلب هذه الخُلَّة وهذه الصداقة إلى عداء ، ويلعن كل منهم صاحبه ، المتبوع يلعن التابع ، والتابع يلعن المتبوع ، وها هم المتبوعون يقولون لأتباعهم : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ … } [ ص : 59 ] وعلام نرحب بهم ؟ أجاءوا لينقذونا مما نحن فيه ؟ أو حتى ليخففوا عنا ؟ إنهم جاءوا للنار وللاصطلاء بحرِّها . فردَّ الفوج المقتحم الداخل على قادته وزعمائه الذين أضلوه : { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا … } [ ص : 60 ] أي : الكفر والضلال ، يعني : أنتم غَشَشْتمونا وأضللتمونا وأخذتم بأيدينا إلى هذا المصير السيء { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ المجادلة : 8 ] الذي صِرْتم وصِرْنا إليه { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } [ ص : 61 ] . وفي موضع آخر ، يُصوِّر القرآنُ هذا الموقفَ ، فيقول حكايةً عن الكافرين : { رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ * رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } [ الأحزاب : 67 - 68 ] . فطلبوا لهم ضعفين من العذاب ، لأنهم ضَلُّوا في أنفسهم ، ثم أضلُّوا غيرهم فاستوجب كل ضلال جزاءً ، إذن : لا بُدَّ أنْ يكونَ المتبوعُ أشدَّ عذاباً من تابعه ، والحق سبحانه لا يعذِّب عبده بأكثر مما يستحق ، لكن هؤلاء يُضَاعَف لهم العذابُ ضِعْفين من ناحية انفكاك الجهة ، فضِعف لأنه ضَلَّ في ذاته ، وضِعْفَ لأنه أضلَّ غيره . ومعنى : { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا … } [ ص : 60 ] أي : بالإغواء والتزيين وتحسين الضلال وتيسير سُبُله . وفي موضع آخر في سورة البقرة يُبيِّن الحق سبحانه أن الأخلاء على الشر سيتبرأ كل منهم من الآخر : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 166 - 167 ] . وما أشبه موقفهم هذا بموقف الشيطان حين يقول لأتباعه يوم القيامة : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ … } [ إبراهيم : 22 ] . هذا إذن مصير الأخلاء على الشر ، تنتهي خُلَّتهم بالعداوة واللعن أما الأخلاَّء على الخير فهم أخلاء في الدنيا أخلاء في الآخرة ، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . كلمة أخلاء جمع خليل ، والخُلَّة تعني أنهما تحابَّا في الله ، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه ، تحابَّا حُباً تعدَّى مرحلة اللقاء والعناق إلى أن ذوّب كلاً منهما في الآخر ، وكأنه أحدث بينهما تداخلَ ذرات من جسم إلى جسم ، وهذا الذي عَبَّر عنه إسماعيل صبري رحمة الله عليه حين قال : @ وَلَمَّا التقَيْنَا قَرَّبَ الشَّوْقُ جُهْدهُ خَليلَيْنِ فَاضَا لَوْعةً وَعِتَابَا كَأنَّ حَبِيباً في خلال حَبيبه تَسرَّبَ أَثْنَاءَ العِنَاقِ وَغَابَا @@ لكن كيف يكون تحسين الضلال ؟ وكيف يقبل الناسُ الإغواءَ بالباطل ؟ قالوا : لأن أيَّ منهج من السماء لا بُدَّ أنْ يصادمَ شهوات النفس ونزواتها ، فحين تتغلب الشهواتُ والنزوات على الإنسان يلجأ إلى إله لا منهجَ له ولا أوامرَ ولا نواهيَ ، ومن هنا ضَلَّ الناسُ ، فعبدوا الأصنام والجمادات ، لأن عبادة مثل هذه الآلهة تُشعِرهم بالتديُّن الذي يميل إليه الإنسان بطبعه ، فهو إذن متدين . وفي نفس الوقت ، ينفلت من قيود المنهج ، لأن إلهه لا يأمره بشيء ، ولا ينهاه عن شيء لأن العبادة كما قلنا : طاعة العابد للمعبود في أمره ونَهْيه ، فالذين عبدوا الأصنام مثلاً أو الشمس أو القمر ، بماذا أمرتْهُم هذه الآلهة ، وعَمَّ نَهَتم ؟ ماذا أعدَّتْ هذه الآلهة لمن عبدها ؟ وماذا أعدَّتْ لمن كفر بها ؟ إذن : فهي آلهة باطلة لأن المعبود بحق له منهج افعل ولا تفعل ، عنده الثواب لمَن أطاع ، والعقاب لمن يعصى . ثم يلتفت أهل النار لفتة أخرى : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً … } .