Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 9-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن نفى الحق سبحانه قدرتهم على أنْ يقسموا رحمته تعالى ينفي هنا أن تكون مفاتيح خزائن رحمته بأيديهم ، فأَمْ هنا للتسوية ، والمعنى : أهُمْ يقسمون رحمة ربك ، أم عندهم خزائن رحمته ؟ لا هذا ولا ذَاك ، لأن النبوة رحمة ، وخزائن الرحمة مملوكة للرحيم والله رحمن ، فليس لهم شيء من ذلك لأن الله تعالى لم يُملِّك مفاتيح خزائنه لأحد حتى أولياء الله المقربين الذين يعطيهم ومضات إشراقية غيبية ليثبت بها اليقين بالمسلك الذي سلكوه . حتى هؤلاء لم يُملِّكهم مفاتيح خزائنه ، إنما يفتح لهم ما يشاء من فضله ، ويعطيهم ما يريدون من الكرامات ، وتظل مفاتيح خزائنه تعالى في يده { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } [ الأنعام : 59 ] لا يسلمها لأحد . لذلك ذُيلت الآية بهذين الاسمين من أسمائه تعالى { ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } [ ص : 9 ] . فالعزيز هو الذي يغلب ولا يُغلب ، فالله غالب لا يُغْلَب على أمره ، ومَنْ كانت هذه صفته كيف يأخذون منه خزائن رحمته ، وهو سبحانه : { ٱلْوَهَّابِ } [ ص : 9 ] الذي يهب مَنْ يشاء تفضُّلاً وتكرُّماً منه سبحانه . ثم يقول سبحانه : { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } [ ص : 10 ] يعني : إنْ كان لهم مُلْكُ السماوات والأرض وما بينهما { فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } [ ص : 10 ] فليصعدوا هم إلى السماء ، وليعرجوا إليها ليتولَّوا هم تدبير أمر الخَلْق ، والحق سبحانه يوضح هذه المسألة في آية أخرى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] أي : بسلطان منَّا . لذلك لما وصل الإنسان واعتلى سطح القمر قال المتفلسفون : وصلوا بسلطان العلم ، كيف والله يقول بعدها : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [ الرحمن : 35 ] إذن : ليس السلطان المراد سلطان العلم كما يدَّعُون ، إنما سلطان من الله خالقها ، فهو سبحانه الذي يُنْفِذ مَنْ يشاء ، ويمنع من النفوذ مَنْ يشاء ، ولو لم تأتِ هذه الآيةُ لكانَ الذين ينكرون معراج رسول الله على صواب . وقوله سبحانه : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } [ ص : 11 ] المراد كفار مكة ، وأنهم مهزومون لا محالة ، كما هُزِم مَنْ قبلهم من المكذِّبين للرسل . ثم يُسلِّي الحق - سبحانه وتعالى - نبيه بذكْر ما كان من تكذيب السابقين لرسلهم ، يعني : يا محمد لسْتَ بدعاً في هذا الأمر ، ويبدأ بأطول الرسالات عمراً ، وهي رسالة سيدنا نوح - عليه السلام - فيقول سبحانه : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ … } .