Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه نَقْلة أخرى في جدالهم وتكذيبهم لرسول الله ، فقبل ذلك كانوا يعترضون على بشرية الرسول ، ويطلبون أنْ يكون الرسول مَلَكاً ، والآن يتنازلون عن هذا المبدأ ويتحوَّلون إلى الذات ، كما قال تعالى في موضع آخر : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . يعني : لماذا محمد بالذات ، وفينا أناس عظماء وسادة كانوا أَوْلَى منه بالرسالة ؟ وهنا قالوا : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] لذلك الحق سبحانه يرد عليهم { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] فجعل نبوته صلى الله عليه وسلم رحمة بهم . { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] . يعني : كيف تتدخلون في هذه المسألة الهامة ، تريدون أنْ تقسموا رحمة الله ، والله هو الذي قَسَم لكم أمور الدنيا الهيِّنة ، فجعل منكم سادة وعبيداً وأغنياء وفقراء … إلخ إنْ كان الحق سبحانه هو الذي ينظم لكم أبسطَ أمور حياتكم ، فكيف تطمعون في أنْ تقسموا أنتم فضل الله ورحمته ؟ { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] وذلك فَضْل الله يؤتيه مَنْ يشاء . وقوله تعالى : { بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } [ ص : 8 ] الذكْر هنا يعني القرآن ، وكأن الحق سبحانه وتعالى يُسلِّي رسوله ويطيب خاطره ، كما خاطبه في موضع آخر بقوله : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . والمعنى : لا تحزن يا محمد . فقومك لا يُكذِّبونك أنت إنما يُكذِّبون ما جئتَ به من الذكر ، فأنت عندهم الصادق الأمين الذي لا غبارَ عليه ، يعني المسألة ليست متعلقة بك وبشخصك أنت ، إنما متعلقة بي أنا ، فكأن الله تعالى حملها عن رسوله ليُطمئنه ويُسلِّيه ويُخفِّف عنه ما يلاقي من عناد قومه له . وقوله سبحانه : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ ص : 8 ] هذا لون من ألوان التهديد ، يعني : لن يظلوا على هذه الحال من السلامة والنجاة فعذابهم قادم ذلك لأن لما تفيد نَفْي الحدث في الماضي مع إثبات حدوثه في المستقبل ، تقول : فلان لم يأْتِ يعني في الماضي وقد لا يأتي في الحاضر والمستقبل ، إنما فلان لمَّا يَأْتي يعني : لم يأت في الماضي ، وسوف يأتي في الحاضر أو المستقبل ، فمعنى { لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ ص : 8 ] يعني : حتى الآن لم ينزل بهم عذاب الله ، لكن ينزل لا محالة .