Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
التقوى أنْ تحترز من المعاصي ، وأنْ تجعل بينك وبين صفات الجلال من الله وقاية ، فالله جبار قهار ذو انتقام ، فاجعل بينك وبين هذه الصفات وقاية تحميك . وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الزمر : 10 ] للعقائد { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [ الزمر : 10 ] أي : في التكاليف { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } [ الزمر : 10 ] أي : حسنة في الآخرة ، فلم يقل : للذين أحسنوا حسنةً في هذه الدنيا لأن الكفار يتمتعون في الدنيا بحسنات كثيرة من المال والجاه والعلم … الخ . فإنْ فسَّرنا الحسنة على أنها النعيم ، فالنعيم الذي يكون سبباً في صَرْف الإنسان عن ربه لا يُعَدُّ حسنة إنما سيئة ، إذن : فالحسنة المرادة هنا في الآخرة { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [ الزمر : 10 ] لكن ما علاقة { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ … } [ الزمر : 10 ] بقوله { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [ الزمر : 10 ] . قالوا : يعني : إنْ صادفتَ متاعبَ في أرضك التي تعيش فيها ، فإنَّ أرضَ الله واسعةٌ ، فالتمس حمايةَ نفسك ودينك في أرض أخرى ، كما قال سبحانه : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } [ النساء : 100 ] . وقال في نفس المعنى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا … } [ النساء : 97 ] . إذن : حين تضيق بك أرضك ، وحين يضيق عليك الخناق بها ، فالتمس أرضاً أخرى تأمن فيها على نفسك وعلى دينك ، وعلى تطبيق منهج الله دون معاند ، ودون معارض . ولو تنبهنا إلى آية في سورة الرحمن لوجدنا فيها حلاً لكل مشاكل الدنيا المعاصرة ، هي قوله تعالى : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن : 10 ] . يعني : جعل الأرض كل الأرض دون تحديد تحت تصرف كل الأنام دون تحديد أيضاً ، فكلُّ إنسان له في أرض الله نصيب ، فإذا ضاق به مكان فله حَقٌّ في مكان آخر . لكن قوانين البشر ومصالحهم غَيَّرَتْ هذه الصورة ، ووضعت العقبات والعراقيل والإجراءات المعقدة في طريق هذه الحرية التي كفلها الخالق سبحانه للحركة على أرضه . لذلك وجدنا أن مشكلة العالم الاقتصادية تكمن في وجود أرض بلا رجال ، أو رجال بلا أرض ، ولو تركنا الأرض لله كما خلقها الله لعباده ، لو جعلنا الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لقضَيْنا على كل مشاكل الدنيا . وانظر مثلاً إلى السودان جارتنا من الجنوب ، بها ملايين الأفدنة لا يُستفاد منها ، وعندنا في مصر ملايين من الأيدي العاملة العاطلة ، ولولا الحدود التي قيدنا أنفسنا بها لَحلَّتْ السودانُ مشكلة الغذاء في العالم العربي كله . بل والأدهى من ذلك والأمرّ أن نختلف على الحدود ، ونتزاحم على شبر واحد ، وتنشب الحروب والأزمات بين الدول بسبب هذه المسألة ، إنها النتيجة الطبيعية لمخالفة أمر الله وسنته في الخَلْقَ . ثم يقول سبحانه : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] الحث على الصبر بعد قوله { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [ الزمر : 10 ] دلَّ على أنه لا بُدَّ أَنْ تُوجَد في الحياة صِعَاب ومشاكل ومتاعب تحتاج إلى صبر ، والشاعر يقول : @ لعمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بلادٌ بأهلها ولَكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ @@ فالحق سبحانه يريد منا أنْ نتحمل منهج الله ، وأن نقوم به لنسعد أنفسنا ، ثم نتسامى في الإيمان ، ونحاول أن نسعد غيرنا ليحدث استِطراقٌ للخير في المجتمع لِذلك قال صلى الله عليه وسلم : " نَضّر اللهُ امرءاً سمع مَقالتي فَوَعاهَا ، ثُمَّ أدَّاها إلى مَنْ لم يَسْمَعْها ، فَرُبَّ مُبلِّغْ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ " . إذن : فنقْلُ الخير إلى الغير فيه خير لك أنت ، وسوف يعود عليك نفعه ، لأنه حين تحجب عِلْم الخير عن الغير سيكون هذا الغير في شَرٍّ ، وسوف يتعبك هذا الشر وينالك شيء منه ، فمن مصلحتك أنت أنْ يعمَّ الخيرُ الآخرين ، ومن مصلحتك أنْ يكون غيرك خَيِّراً ، لا يسرق ولا يَسُبّ ولا يخون ، ولا يتعدى على الآخرين ، فنقْل علم الخير إلى الغير مُفيد لناقله ، ليكفّ شرَّ ذي الشر عنه على الأقل . والصابر هو الذي يصبر على الشدائد والمحن التي تُخرِجه عن : سلامة الجوارح ، وسلامة المال ، وسلامة الأهل ، والصابر واثق بأن إيلاَمه وإيذاءه يعطيه خيراً من النعيم الذي فقده قبل الإيلام والإيذاء ، لأن الله قال : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] . وإذا كانت التكاليفُ لها حساب عند الله ، فالصلاة لها حساب ، والزكاة لها حساب … إلخ أما الصبر فإن أجره بغير حساب يعني : غير معلوم ، حتى قالوا أنه في الجنة حين يرون منازل لم يكُنْ أهلها معروفين بالعمل الصالح ، ومع ذلك منازلهم في الجنة عالية ، فلما سألوا عن ذلك قالوا : إنهم كانوا من أهل الصبر على البلاء وعلى الشدائد والمحن ، فنالوا هذه المنزلة بصبرهم . والصبر عدم تشكيك في رحمة الله ، وعدم اعتراض على حكمه وقضائه ، فمثلاً نرى بعض أهل البلاء يعرضون آفاتهم وبلواهم على المجتمع في موسم الحج ، فبعض هؤلاء يذهب للحج وهناك يكشف بلواه أمام الناس ، ويظهر عاهته في رِجْله أو في يده يستجدي بها الخلق ، وكأنه يشكو الخالق لخَلْقه ، ولو أنه ستر بلاءه ورضي به لطرق الرزقُ بابه ، ولَساقَه الله إليه دون جهد . لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا بُليتُمْ فاستتروا " لأن مَنْ يظهر بَلْواه للخَلْق كأنه يفضح الخالق ، كأنه يقول للناس : انظروا ماذا فعل الله بي . وفي سير الصحابة وسلف الأمة رأينا امرأة لا تقبل من زوجها أن يشكو الفقر لرسول الله ، وكانا لا يملكان إلا ثوباً واحدا يلبسه الرجل ، ويذهب به في أول الصلاة خلف رسول الله ثم يسرع بعد الصلاة وينصرف إلى بيته لتلبسه زوجته وتصلي هي أيضاً فيه . وقد لاحظ سيدنا رسول الله أنه يرى هذا الرجل في أول الصلاة ، ولا يراه بعدها ، فتحيَّن رسولُ الله الفراغَ من الصلاة ، ثم التفت إليه سريعاً فوجده خارجاً من المسجد ، فناداه وقال له : أراك أول الصلاة ثم لا أراك بعدها أَزُهْداً فينا ؟ قال : لا يا رسول الله ولكن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا لتصلي فيه ، فدعا له بالخير . فلما ذهب قالت امرأته : لقد تأخرتَ قَدْر كذا تسبيحة - هكذا كان حساب الوقت عند هؤلاء - فقال لها : إن رسول الله استوقفني وسألني عن أمري ، فلم أجد بُدّاً أن أقول له : إن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا للصلاة ، فقالت له : يا هذا أتشكو ربك لمحمد ؟ هكذا كان صبر الصحابة ، صبر لا يعرف الجزع ولا الشكوى ولا الاعتراض على قضاء الله . لذلك يقول بعض العارفين حين يرى حظ الصابرين في الآخرة : لو علم الناسُ جزاءَ الصابرين لَتمنَّوْا أنْ يعودوا إلى الدنيا ، وتُقرض أجسادهم لينالوا هذه المنزلة .