Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 11-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نلحظ في هذه الآية تكرارَ الفعل أمرت ، وهذا يدل على أننا أمام أمرين ، كل منهما مستقل عن الآخر ، فالأمر الأول { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الزمر : 11 - 12 ] وهذا أمر ليقين الإيمان وليقين العبادة ، بحيث نتوجه بها خالصة لله . والخلوص لله على مراحل ، فواحد يعبد الله لانتظار جزائه وطمعاً في جنته ، وآخر يعبده خوفاً من ناره ، وآخر يعبده لذاته سبحانه ، ولأنه يستحق أنْ يُعبد ، وأنْ يُحبَّ لذاته . لذلك قال سبحانه في آخر سورة الكهف : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } [ الكهف : 110 ] لا جنة ربه ولا جزاء ربه ، إنما يريد اللقاء ، ويريد الأُنْس بالله ، فلا تشغله النعمة ، إنما تشغله معية المنعم سبحانه { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } [ الكهف : 110 ] والجنة أحد . إذن : الأمر الأول خاصٌّ بالعقائد ، أما الأمر الآخر : { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الزمر : 12 ] فهو للتكاليف الإسلامية بافعل ولا تفعل ، لكن كيف يقول رسول الله { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الزمر : 12 ] أليس هو أولهم بالفعل ؟ لأن أول تكليف كان له هو ساعةَ نزل عليه الوحي ، وقبل أنْ يُبلِّغه إلى أصحابه ، إذن : مرت عليه فترة كان هو صلى الله عليه وسلم أول مَنْ أسلم لله ، أول مَنْ أسلم منهجه لله ، قبل أنْ يبلغ هذا المنهج ، هذا إنْ أردناها حقيقة أولية . وأيضاً له أولية في تنفيذ الأحكام أمام الناس بعد أنْ يبلغهم المنهج ، حتى يعلموا أن الرسالة لم تكُنْ لتدليل الرسل ، إنما كانت لإقامة الأُسْوة فيهم ، فإذا عمل الرسلُ أنفسهم على منهج الله علّموا الناس جميعاً أن هذا المنهج خير ، بدليل أنهم ألزموا أنفسهم به تطبيقاً قبل أنْ يلزموا الناس ، كالذي قال : لم آمركم أمراً أنا عنه بنَجْوة . شيء آخر : أن الله تعالى سلب الرسول ، وسلب أهل بيته ما أعطاه لعامة المسلمين ، فالميت يرثه أهله ، ورسول الله لا يرثه أحد من أهله ، ولعامة فقراء المسلمين أن يأخذوا من أموال الزكاة والصدقة ، أما آل البيت فقد حرم عليهم الأخذ منها . إذن : تحمُّل رسولُ الله المشاق في سبيل الرسالة ، ولم تكُنْ بالنسبة له رفاهية ولا تدليلاً ، كذلك تحمَّل معه أهل بيته ، ونالهم جزء من هذه المشاق ، ولولا أن إشراق الجزاء في نفوسهم يعطيهم الأمل والثقة في الجنة ، هذه الثقة التي جعلتهم وكأنهم ينظرون إلى أهل الجنة في الجنة ينعَّمون وإلى أهل النار في النار يعذبون ، لولا هذا ما صبروا على هذه المتاعب والمشاق . لذلك يقول سبحانه حينما يخاطب نساء النبي : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ الأحزاب : 32 ] فلأنكُنَّ نساء النبي فلا بُدَّ أنْ تكُنَّ أول مَنْ ينفذ منهج الرسول لتتحقق بكُنَّ القدوة ، وليعلم الناس أن الرسول ما جاء جباراً يأمرهم بما لا يأتمر به ، أو ينهاهم عما لا ينتهي عنه ، بل هو في التنفيذ سابقهم وإمامهم وقدوتهم هو وأهل بيته ، إذن : كان صلى الله عليه وسلم أول المسلمين بالفعل . وللعلماء كلام طويل في مسألة أوَّل المسلمين لأنها وردتْ أيضاً على لسان سيدنا موسى عليه السلام ، قال { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 163 ] أي : مسلمي زمانه ، أما رسول الله فأول المسلمين في زمنه وفي زمن غيره ، نقول لتقريب هذه المسألة : إن الأولية هنا أولية تفوق ، والتفوق قد يكون تفوقاً إضافياً كما نقول : فلان الأول على كلية الحقوق هذا العام ، فالتفوق هنا خاص بالعام الذي نتحدث عنه ، وربما جاء في أعوام أخرى مَنْ تفوق عليه ، وحصل على درجات أعلى منه ، وقد يكون التفوق عاماً كما لو قلنا : فلان الأول على كلية الحقوق منذ أنشئت . إذن : قد تكون الأولية في الزمن ، وقد تكون الأولية في مقارنة الأزمان بعضها ببعض ، فإذا قال رسول من الرسل : أنا أول المسلمين ، فالمراد أول المسلمين في زمانه ، وإذا قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم : أنا أول المسلمين فالمراد أول المسلمين من لدن آدم إلى قيام الساعة ، يعني : أنا وإنْ تأخر زمني إلا أنني الأول إذا أخذنا الرتبة ساعة التكليف ، ثم إن غيري من الرسل بُعِثَ إلى زمن بعينه في مكان بعينه ، وأنا بُعثْتُ للناسِ كافة في كل زمان ومكان ، ثم إنني خاتم الرسل ، فلا رسالة بعدي ولا معقبَ من الرسل على رسالتي ، هذه كلها حيثيات الأولية عند رسول الله ، وهي حيثيات ظاهرة لا تُنكَر . لذلك نجد الأولية دائماً على لسان رسول الله كما في قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] يعني : أول مَنْ يُصدِّق هذه المسألة .