Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 13-15)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبحان الله ، أيقول رسول الله { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الزمر : 13 ] فكأنه يقول : أنا لم آخذ هذه المنزلة حكماً مطلقاً أنني نبي مُكرَّم ، بل أنا كعامة الناس إنْ عصيتُ ربي تعرضتُ للعقاب ، يعني تقديم الله لي أولاً واصطفاؤه لي لا يشفع لي إنْ حدثتْ مني معصية . ثم يقول سبحانه على لسان رسوله { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي } [ الزمر : 14 ] وهذه أيضاً للعقائد وليقين الإيمان ، وقد سبق قوله تعالى : { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } [ الزمر : 11 ] وهنا { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ } [ الزمر : 14 ] فما الفرق بين الله أعبد و أعبد الله ؟ قوله تعالى : { أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } [ الزمر : 11 ] جاء على الترتيب الطبيعي للجملة : الفعل ، ثم الفاعل ، ثم المفعول . والجملة بهذا الترتيب لا تمنع من العطف على المفعول كما تقول : أطع فلاناً ، فإنها لا تمنع أن نقول وفلاناً ، أما إن قدَّمنا المفعول به على الفعل ، كما في قوله سبحانه : { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ } [ الزمر : 14 ] فإنَّ تقديم المفعول أفاد القصر يعني : قصر العبادة على الله وحده ، كما لو قلت : إلى الله أشكو يعني : لا إلى غيره . فالآية الأولى جاءتْ بالترتيب الطبيعي للجملة ، والأخرى جاءت بصيغة القصر ، كأنه قال : أنا لا أعبد غير الله ، وأنتم اعبدوا ما شئتم { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } [ الزمر : 15 ] . ثم يبيِّن سبحانه عاقبة الشرك فيقول : { قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الزمر : 15 ] . نفهم أن هؤلاء المشركين خسروا أنفسهم يوم القيامة ، لأنهم ظلموا أنفسهم بالكفر وبالشرك ، لكن كيف يخسرون أهليهم أيضاً ؟ قالوا : لأن أهليهم هم أولادهم وذريتهم وهؤلاء إما أنْ يؤمنوا ، وإما أنْ يظلوا على كفرهم مع الآباء ، فإنْ ظلُّوا على كفرهم فهم خاسرون كآبائهم ، وإنْ آمنوا فلن يكونوا مع الآباء ، وسيحرمون رؤيتهم ، لأن هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار . إذن : الخسارة ملازمة لهم في كلتا الحالتين . وكلمة الخسارة هنا أكَّدها الحق سبحانه بالمفعول المطلق { ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الزمر : 15 ] ثم وصف الخسران بأنه مبين أي : بيِّن واضح ومحيط لأن التاجر متى يكون خاسراً ؟ إما أنْ يعود إليه رأس ماله دون زيادة ، وفي هذه الحالة يكون قد خسر جهده وتعبه في تجارته ، وإما أنْ تتعدى الخسارة إلى رأس المال فيخسر تعبه وجهده ، ويخسر جزءاً من رأس المال ، وهذا هو الخسران المبين ، أي : المحيط بكل شيء فقوله تعالى : { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الزمر : 15 ] يعني المحيط الذي أحاط بأهله وماله وتعبه وسَعْيه .