Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 29-29)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا مَثَل ضربه الله لبيان قضية التوحيد ، ويوضح من خلاله الفرق بين عبد لسيد واحد ، وعبد لعدة أسياد ، وهذه صورة مكوَّنة من عدة عناصر ، فالرجل مملوك لشركاء ، وليْتهم متفقون على شيء ، إنما متشاكسون مختلفون ، كل منهم يأمر بشيء ، فإنْ أرضى هذا أغضب ذاك ، وإنْ أطاع سيداً عصى الآخر . إذن : كيف يبدد نفسه ؟ وكيف له أن يستريح فهو دائما في حيرة من أمره ؟ أما الآخر ، فعبدٌ لسيد واحد ، أمره واحد ، وهو مرتبط بسيده ، قاصرٌ خدمته عليه . { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً … } [ الزمر : 29 ] ويترك الحق سبحانه لك أنْ تجيب أنت على هذا التساؤل { هَلْ يَسْتَوِيَانِ … } [ الزمر : 29 ] لا نملك إلا أنْ نقول : لا يستويان أبداً ، ونُقِر نحن بهذه الحقيقة ، وهذا هو مقصد القرآن أنْ نُقِر نحن بها ، لا أن تُلقى إلينا كخبر من الله تعالى ، وهذا الذي نحكم به يقوله كلُّ عاقل ، ولا يردّه أحد . فالعبد المملوك لسيِّد واحد ، كمَنْ آمن بالله تعالى وأخلص له العبادة وحده سبحانه ، والعبد المملوك لشركاء متشاكسين مثال للعبد الذي أشرك مع الله في العبادة ، وعليك أنت أنْ تعتبر . وقوله سبحانه : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ … } [ الزمر : 29 ] أي : الحمد لله على أنْ ضرب لنا الأمثال ، وأوضح لنا الأمورَ لنأخذ المعقول المعنوي بالمُحَسِّ المادي ، فالذي يعبد الله وحده لا شريك له يعيش مرتاحَ البال ، هادئ النفس ، مطمئن القلب ، على خلاف مَنْ يعبد آلهةً متعددة ، فهو مشتّتُ النفس ، غير مستقر البال ، إنْ أرضى سيداً أغضب الآخر ، وليس لديه القوة التي تعينه على إرضاء الجميع ، فهو أشبه بالخادم الذي يقول أناح أقطع نفسي ؟ فالحمد لله الذي نزَّل القرآن عربياً ، لا عِوَجَ فيه ، والحمد لله الذي ضرب لنا فيه الأمثال التوضيحية التي تُقَرِّب ما تقف فيه العقول بالذي تتفق فيه العقول . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 29 ] أي : لا يعلمون هذه القضية ، لا يعلمون أن الإيمانَ بالإله الواحد الحق والعبودية الخالصة له سبحانه فيها سعادة العبد وراحته ، وأن العبوديةَ لآلهة شتى في شقاوة العبد وتعبه . وهم لا يعلمون هذه الحقيقة لأنهم ما وضعوا قضية الإيمان بالربوبية موضعَ البحث العقلي ، بل أخذوها هكذا بلا تأمُّل ، المهم عنده أنْ يكون لهم إله ليس له أوامر ولا نواهٍ ، إله بلا منهج وبلا تكاليف ، وما أحسنَ هذا الإله الذي تأخذه على مزاجك ، ووفقاً لهواك . وقوله سبحانه : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 29 ] طمأن أهل الإيمان وأهل التوحيد ، فهم وإنْ كانوا القلة إلا أنهم موجودون ، فالخير لا يُعدم مهما كان قليلاً ، ومن ذلك قوله تعالى : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 13 - 14 ] . وقال في أصحاب اليمين : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] فالخير إذن في هذه الأمة .