Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 30-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان كفار مكة إذا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء أو وعكة صحية ، أو نزلتْ به شدة كما حدث في أُحُد يفرحون لذلك ، فما بالك لو مات رسول الله ؟ لذلك يقرر القرآن لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] فعلامَ يفرحون وهذه نهاية الجميع ، كما قال في موضع آخر : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] . لكن المسألة لن تنتهي عند هذا الحدِّ ، إنما بعد الموت حياةٌ أخرى ، فيها حساب وجزاء ووقوف بين يدي الله تعالى ، وساعتها سيكون النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى مقام ، أما أنتم فسيكون موقفكم موقفَ المخالفين لله ، فماذا تقولون ؟ هذا معنى قوله سبحانه { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] . ومعنى { إِنَّكَ مَيِّتٌ … } [ الزمر : 30 ] هكذا بالتشديد . أي : ذاهب مُنْتهٍ إلى الموت ففرْق بين ميّت بتشديد الياء وميْت بسكونها ، ميّت يعني من سيموت ويؤول إلى الموت ، ولو كان حيّاً ، لأن الله خاطب رسوله وهو ما يزال حياً . أما ميْت فمَنْ مات بالفعل . ومن ذلك قول الشاعر : @ وكُلُّ أَنَامِ اللهِ فِي النَّاسِ مَيِّتٌ وَمَا الميْتُ إلاَّ مَنْ إِلَى القَبْرِ يُحْمَلُ @@ وقوله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] فيه تطمينٌ وتأسية لرسول الله ، كما خاطبه سبحانه بقوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] وهنا قال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] . يعني : إما أنْ ترى انتقام الله منهم في الدنيا وإلا ففي الآخرة ، إذن : من مصلحتك أنت أنْ تنتقل إلى الرفيق الأعلى لنختصر المسافة ، وترى بعينك مصارع الكافرين المعاندين ، فلا تضعف ولا تذل لأن لك مآلاً عند الله تأخذ فيه جزاءك ، ويأخذون جزاءهم . والحق - سبحانه وتعالى - لما تكلَّم عن الموت في سورة تبارك ، قال : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ … } [ الملك : 1 - 2 ] . فتأمل { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ … } [ الملك : 2 ] وجعل الموت أولاً مع أنه بعد الحياة ، ذلك لأن الحياة ستعطيك نوعاً من الغرور ، حين ترى جوارحك تستجيب لك ، والأسباب تستجيب لك والدنيا تعطيك فلا بُدَّ أن يدخلك الغرور ، فأراد الحق سبحانه ألاّ نستقبلَ الحياة بالغرور ، بل نستقبلها أولاً بهذه الحقيقة التي تناقض الحياة وهي الموت . إذن : فالعاقل يفهم أنه صائر إلى الموت ، ويقضي رحلة حياته وهو على ذكْر لهذه النهاية . وقوله { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] وستكون أول خصومة بين الأنبياء ومَنْ كفروا بهم هي مسألة البلاغ حين يشهد الرسل أنهم بلَّغوا أقوامهم رسالة الله ، فإذا بهم يتعللون ، يقولون : اعتقدناه سحراً ، اعتقدناه كذباً ، اعتقدناه تخييلاً ، لكنهم ما فطنوا إلى أن الله أكّد هذا بقوله { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } [ البقرة : 143 ] . إذن : فضّل الله أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم بأنها حملتْ رسالة رسولها ، وهذه مسألة لم تحدث مع الرسل السابقين لذلك قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … } [ آل عمران : 110 ] والدليل على حَمْل الأمة لهذه الرسالة أنه لم يأتِ رسول بعد رسول الله ، فكأن الله تعالى أَمِن أمة محمد على رسالته ، والنبي صلى الله عليه وسلم شهد أنه بلَّغ أمته ، وعليهم هم أنْ يشهدوا أنهم بلَّغوا الناس . وهذا المعنى من معاني الوسطية التي قال الله فيها : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً … } [ البقرة : 143 ] . وإنْ كانت تتسع لغير ذلك فلأنها وسط في كل شيء ، فقد رأينا في غير هذه الأمة مَنْ أنكر الإله ، ومنهم مَنْ أثبت آلهة متعددة ، وكلاهما تطرف ، فجاء الإسلام وقال بعبادة إله واحد لا شريك له ، فاختار الوسطية والاعتدال وحَلّ هذا النزاع . لذلك خاطبنا ربنا بقوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً … } [ البقرة : 143 ] أي : فيكم نواحي الاعتدال ، فإذا سمعتم مَنْ يقول بالشيوعية ، ومَنْ يقول بالرأسمالية ، وإذا رأيتم مَنْ يتعصّب لمذهبه فقولوا : نحن أمة وسطا تركنا للرأسمالية أن تثمِّر طموحها ، لأنه ليس للجميع لديه طموح ، وحين تثمِّر الرأسمالية طموحها لا بُدَّ أنْ تخدم المجتمع ، وانظر كم من العمال يعمل ، وكم من البيوت تُفتح . كذلك الشيوعية فرضنا لهم ما لم يدفعوا إلى غير القادر ، إذن : أخذنا ميزة هؤلاء وميزة هؤلاء ، بدليل أن النظامين اللذين سيطرا على العالم طوال مدة من الزمن بدأتْ شراستهم تقل ، فالرأسماليون أخذوا في التخفيف من حِدَّة الرأسمالية ، ونظروا إلى العمال فأعطوْهم حقوقهم وميَّزوهم ، وجعلوا لهم نقابات … إلخ ، وكذلك الشيوعية قالوا : لا بُدَّ أنْ يوجد في المجتمع طبقة تقدر أنْ تزِنَ الأمور بطموحاتها ، ويجعلوا للعمال فرصاً يعملون بها ، وأخيراً انتهت الشيوعية والحمد لله عن آخرها . إذن : فأمة الإسلام أمة الوسطية أخذت خَيْر النظامين . نقول : سيكون في الآخرة الاختصام الأول بين الأنبياء ومن كذَّب بهم ، واختصام بين أئمة الكفر ومَنْ تبعهم ممَّنْ أضلوهم وأغوْوهم ، بين القوم الذين أثروا في السفهاء ، وجعلوهم تابعين لهم في الكفر . وقد صَوَّر القرآن هذه الخصومة في هذا الموقف ، فقال : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 166 - 167 ] . لذلك يقول سبحانه وتعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . إذن : لا بدّ أنْ يختلفوا الآن ، ويلعنَ بعضهم بعضاً ، ويُلقي كلّ منهم التبعية على الآخر لذلك يقول تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ * قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 24 - 29 ] . هكذا يختصم التابع والمتبوع ، وتتفرّق جماعتهم ولا يتناصرون كما تناصروا على كفرهم في الدنيا . ويُصوِّر القرآن موقفاً آخر للكافرين ، حيث سبق قادتهم ورؤساؤهم إلى النار ، فجاء التابعون فوجدوا السادة قد سبقوهم ، يقول تعالى : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [ ص : 55 - 60 ] . وكوْنُ القادة يسبقون أتباعهم إلى النار يدلُّ على أنهم أعظم جُرْماً من التابعين لهم لأنهم ضلُّوا في أنفسهم وأضلُّوا غيرهم ، وفيه أيضاً قطْعٌ لأمل التابعين في النجاة والخلاص من النار ، ومَنْ يخلصهم وقد رأوا سادتهم وقادتهم قد سبقوهم إليها ؟ وفي المقابل يعرض الحق سبحانه هذا الحوار بين المؤمنين في الجنة : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 51 ] أي : صاحب من أهل الكفر { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 52 - 55 ] . يعني : نظر من السور فإذا بقرينه في سواء الجحيم ، يعني : في وسطها . فقال : { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } [ الصافات : 56 ] تهلكني معك { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [ الصافات : 57 ] . وقد يكون حواراً بلا خصام ، كما في قوله تعالى : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ * وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ * رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } [ الأحزاب : 66 - 68 ] .