Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 48-48)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَبَدَا لَهُمْ } أي : ظهر لهم وبَانَ لهم سَيِّئَاتُ هل الذي يظهر لهم في الآخرة السيئات ، أم عقوبة السيئات ؟ قالوا : الذي يروْنَه في الآخرة هو عقوبة السيئات ، لكن قال { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } [ الزمر : 48 ] لأن الجزاء من جنس العمل ، فالعقوبة هي أيضاً سيئات ، كما قال سبحانه : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا … } [ الشورى : 40 ] لأن معنى السيئة هو الأمر الذي يسوء ، فكما أساء هو في العمل في الدنيا نُسِيئه في الآخرة . وكلمة { مَا كَـسَبُواْ } [ الزمر : 48 ] سبق أنْ أوضحنا هذه المسألة وقُلْنا : إن القرآن يستخدم كسب في الخير واكتسب في الشر لأن الخير يأتي من الإنسان طبيعياً لا تكلُّفَ فيه ولا احتيال ، فيأتي على وزن فعل . أما الشر فيحتاج من فاعله إلى تكلّف وسَتْر واحتيال ، فعبَّر عنه بما يدل على الافتعال وهو افتعل أو اكتسب . ومثَّلْنا لذلك بالإنسان حين ينظر إلى أهل بيته أو محارمه وفيهن الجميلات مثلاً ، فهو ينظر نظرةً طبيعية لا يسترها ، ولا يخاف فيها شيئاً ، أما إنْ أراد أنْ ينظر إلى امرأة أجنبية عنه فإنه يُخفِي هذه النظرة ، ويحتال لذلك بكل وسيلة . إذن : لماذا استخدم القرآن هنا لفظ كسب في مجال السيئات ، وهي كما أوضحنا اكتساب ؟ ومثله قوله تعالى : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ … } [ البقرة : 81 ] . قالوا : استخدم القرآنُ كسب في السيئات لأن صاحبَ السيئة قد يتعوَّد عليها حتى تصبح طبْعاً فيه وعادة ودُرْبة ، بل وتصبح بالنسبة له مهارة تصل إلى حَدِّ التباهي بها والعياذ بالله ، وهؤلاء يفعلون السيئة دون تكلّف ودون سَتْر ، فهي في حقه كسبٌ لا اكتساب ، ومثال ذلك المجرمون الذين اعتادوا الجريمة وتمرَّسوا بها ، فهي بالنسبة لهم عملية طبيعية ، وساعة يعمل السيئة يعدّها مكسباً له . وقوله : { وَحَاقَ بِهِم } [ الزمر : 48 ] أي : نزل بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الزمر : 48 ] هذا المعنى أوضحه الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 29 - 36 ] . نعم … كثيراً ما نرى ونسمع استهزاء أهل الباطل من أهل الحق وسخريتهم منهم وتندّرهم عليهم ، ويصل الأمر إلى أنْ يتهموهم بأنهم على ضلال ، سبحان الله ؟ لكن عزاء أهل الحق أن هذا الاستهزاء في الدنيا الفانية ، وإنْ صبروا عليه كان لهم الأجر ، وسوف يُرد هذا الاستهزاء وهذه السخرية في الآخرة الباقية ، حيث يسخر أهل الحق من أهل الباطل ويضحكون منهم ، بل ويخاطبهم الحق سبحانه ليطيب خاطرهم : { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 36 ] يعني : هل قدرنا أنْ نُجازيهم بما يستحقون ؟ قالوا : استهزاء الشرير بالخيِّر ، وسخريته منه ثأر من طيبته لشريرته ، لأنه لا يستطيع ولا يقدر أنْ يكون مثله فيسخر منه ويستهزئ به لعله ينصرف عَمَّا هو فيه من الخير ويذهب إلى الشر ، لكن العاقل يفهم هذه المسألة ويعلم أن هذا الاستهزاء غيظ وحقد وحسد فيصبر عليه وهو يعلم أنَّ له بكل سخرية وبكل استهزاء منزلة عند الله ، وله على ذلك عِوَض .