Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 49-50)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

رأينا المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى وقالوا : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زُلْفى … إذا ما طرأ لهم طارئ أو جَدَّ في حياتهم شيء فوق طاقة أسبابهم لا يلجئون الأصنام ، ولا إلى الآلهة التي عبدوها من دون الله ، إنما يلجئون إلى الله ويضرعون إليه سبحانه ليكشف عنهم ما هم فيه ، وليرفع عنهم البلاء ، لماذا ؟ لأن هذه هي الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها ، والعهد الذي أخذه الله علينا جميعاً ونحن في عالم الذرِّ حين قال سبحانه : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] والإنسان لا يخدع نفسه ولا يسلمها ، فإذا أحاط به شر لا تنهض الأسباب لدفعه قال : يا رب وعندها ينسى كبرياءه ، وينسى عناده ، وينسى تكذيبه للرسل ولا يجد إلا ربه وخالقه وإلهه الحق . وصدق الله : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } [ الإسراء : 67 ] . ونلحظ أيضاً أن الإنسان حينما يقع في كرب لا يقدر على دفعه بنفسه ينادي مَنْ حوله ، فإذا لم يُجِبْه أحدٌ يقول يا هوه ، ومعناها : يا هو يا مَنْ ليس هناك غيره ، والمراد الله سبحانه وتعالى . وقوله { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ } [ الزمر : 49 ] أي : أعطيناه { نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [ الزمر : 49 ] يعني : إنْ أعطيناه نعمة بعد هذا الضر الذي مسَّه سرعان ما ينسى ويعود إلى صَلَفه وغروره الحياتي ، لأنه يخاف أن مسألة رفع الضر عنه تُقربه من ربه الذي دعاه ، وأن هذا الجميل الذي ساقه إليه ربُّه يعيده إلى الجادة وإلى الاستقامة . فالاستقامة تكاليف ومسئولية هو يكرهها ، ولا يريد أنْ يُقيّد نفسه بها ، لأن التكليف معناه مَنْع النفس عن شهواتها ، وحملها على الطاعات فهو يخاف أن تأسره هذه المسألة ، أو تقيد حريته في الشهوات ، لذلك قال الحق سبحانه عن الصلاة : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] . وقوله : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [ الزمر : 49 ] لها وجهان : إما على علم من الله أنِّي أستحق هذا الخير وإلا ما أعطاني - هذا إنْ كان يعتقد أن الله هو الذي يعطي - أو على علم مني ، لأن عندي دقَّةً في التعامل ويقظة ، وعندي تجربة ودراية بالأمور ودراسة للنتائج . وهنا يصحح له ربه { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ … } [ الزمر : 49 ] يعني : هذه النعمة فتنة من الله ، فلا هي لعلم الله أنك تستحق ، ولا هي نتيجة لعلمك ومهارتك { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ … } [ الزمر : 49 ] يعني : ابتلاء واختبار . كما قال سبحانه : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] نبلو بالشر لنرى مَنْ يصبر ، ونبلو بالخير لنرى مَنْ يشكر ومَنْ يطغى . وفي موضع آخر قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } [ الفرقان : 20 ] . يعني : كلُّ بعض منا فتنة للبعض الآخر ، فالغني فتنةٌ للفقير ، والقويُّ فتنة للضعيف ، والعكس صحيح ليختبر الحق سبحانه خَلْقه : مَنْ يصبر ومَنْ يجزع ، مَنْ يشكر ومَنْ يكفر ، مَنْ يرضى ومَنْ ينقم . إذن : ينبغي على الإنسان أنْ يقوم في حركة حياته ما أقامه الله ، فكل ما يُجْريه عليه خير ، فإذا رأيتَ نعمة عند غيرك وليست عندك فاعلم أن الله ما فضّل هذا عليك ، وأنت بصبرك على ما قُدِّر لك وعدم حقدك على أخيك تستطيع أنْ تكون أفضل منه . وتختم الآية بقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 49 ] أي : هذه الحقائق التي ذُكِرتْ لا يعلمها الكثيرون ، وهذا يعني أن القلة تعلم . ثم يوضح الحق سبحانه أن هذه المسألة ليست كلمة نظرية ، إنما هي حقيقة لها واقعٌ في تاريخ السابقين ، فيقول : { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الزمر : 50 ] نعم قالها قارون { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [ القصص : 78 ] . ونقول : ما دمتَ قد أوتيته على علم ، سواء علم من الله أنك أهلٌ لهذا الخير أو علم عندك ومهارة في العمل والتناول ، فها هي النعمة بين يديك ، وما عليك إلا أنْ تحفظها ، وحِفْظ الشيء الموجود بين يديك أيسَرُ من إيجاده من العدم ، فهل تستطيع ؟ والمعنى أنني لا أقول لكم كلاماً نظرياً ، بل هو واقع يؤيده التاريخ ، فقد قالها قارون واغترَّ بها ، ثم خسفنا به وبداره الأرض وهنا نشأتْ قضية : إذا كنتَ قد أوتيته على علم فاحفظه أيضاً على علم ، لكن ما دام الأمر قد تخلَّى عنك في الحفظ وهو يسير ، فأنت في الإيجاد أشدّ تخيلاً . نعم { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الزمر : 50 ] لأن الله خسف بقارون وبداره أيضاً ، فلم تذهب النعمة والثروة فحسب ، بل طال الانتقام حتى الأرض والمكان الذي يعيش عليه ويبيت فيه ويستريح عليه .