Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 59-59)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة بَلَى حرف جواب لا يأتي إلا بعد نفي ، فيفيد إثباتَ المعنى المنفي قبله ، كما في قوله تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] فيأتي الجواب { قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] يعني : لا ، أنت ربنا ، والقاعدة أن نفي النفي إثبات ، ومثله : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] على مَنْ يسمعها أن يقول : بلى يا رب ، يعني : لا … أنت أحكم الحاكمين . إذن : فأين النفي السابق على قوله هنا { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي } [ الزمر : 59 ] قالوا : كَوْنه نفي الهداية في قوله : { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي } [ الزمر : 57 ] لذلك جاء الجواب بلى يعني : لا بل هديناك { قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا } [ الزمر : 59 ] والآيات جمع آية ، وهي الشيء العجيب الملفت للنظر الداعي إلى التأمل والتفكر للعقل وللبصيرة . والآيات كما ذكرنا على ثلاثة أنواع : آيات كونية تدل على قدرة المكوِّن سبحانه كقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [ فصلت : 37 ] . { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } [ الروم : 23 ] . وهذه الآيات الكونية التي تلفتنا إلى المكوِّن الأعلى هي الوسيلة الأولى للإيمان بالله ، لذلك كلنا استنبط العلماء في الكون شيئاً جديداً أو اكتشفوا جديداً وجدنا له أصلاً في كتاب الله ، قالها الحق سبحانه منذ أربعة عشر قرناً من الزمان . هذه الآيات الكونية يُظهرها الحق سبحانه حتى على أيدي الكافرين به ، لذلك حذَّرنا أن يتدخل علماء الشرع والفقهاء في علوم الدنيا والكونيات لأن الكونيات لها علماء اختصُّوا بها ، وسوف يخدم هؤلاء الدين وقضية الإيمان بالله ، وسيُظهرون لكم الأسانيد والأدلة على وجوب الإيمان بالله صاحب هذا الكون ومُكوِّنه . إذن : فهؤلاء العلماء يتعبون ويفكرون ويبحثون في الكونيات لخدمة المؤمن بالله وخدمة الدين ، فهم - وإن كانوا كافرين بالله - جند من جنود الحق ، وصدق الله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . والعجيب أنهم سيُحرمون الأجر على هذا الجهد المبذول ، لأنهم فعلوا ذلك وتوصَّلوا إلى ما توصَّلوا إليه ، وليس في بالهم الحق سبحانه ، إنما في بالهم خدمة الإنسانية ، فليأخذوا أجورهم من الإنسانية ، وفعلاً كرَّمتهم الإنسانية وصنعت لهم التماثيل ، واحتفلت بهم لذلك ليس لهم نصيب في الآخرة . وينطبق عليهم قوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . وقوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ النور : 39 ] . يعني : فوجئ بأن للكون إلهاً خالقاً ، فوجئ بالحساب والجزاء ، وهذه أمور لم تكُنْ على باله في الدنيا . النوع الثاني من الآيات هي المعجزات التي تصاحب الرسالات ، لتدلَّ على صدق الرسول في البلاغ عن ربه ، ومنها قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ … } [ الإسراء : 101 ] . أما النوع الأخير فهي الآيات القرآنية التي تحمل أحكام الدين ، والتي قال الله فيها هنا : { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } [ الزمر : 59 ] . وقوله تعالى : { وَٱسْتَكْبَرْتَ } [ الزمر : 59 ] استكبر يعني : طلب أنْ يكون كبيراً ، يعني : لم يتكبر فحسب ، إنما طلب ذلك وسعى إليه لكنه لم يُجِب لذلك لأن الذي يستكبر لا بدَّ أن يكون في غنىً عمَّنْ استكبر عليه ، وإذا كنتَ في مُلْك الله وتحت سلطانه وتأكل من رزقه وتعيش في خيره ، فكيف تتكبر عليه ؟ ثم إن المتكبر ينبغي أن يتكبر بشيء ذاتي فيه لا يسلب منه لذلك الذين يتكبرون في الدنيا إنما ينازعون الله صفته لأنهم يتكبّرون بلا رصيد ، ومَنْ من الخلق عنده ذاتية لا تُسلب منه ، لذلك نرى مَنْ يتكبر بعزٍّ يُذله الله ، ومَنْ يتكبر بغنىً يُفقره الله ، ومَنْ يتكبر بصحته وعافيته يُمرضه الله . إذن : التكبّر الحق أنْ تتكبر بشيء تملكه لا يُسلب منك ، وشرُّ المتكبرين مَنْ يتكبر على ربه وخالقه والقادر على أن يسلب منه كل شيء ، أما الذي يتكبر على الخلق فغافلٌ عن عظمة ربه وكبريائه لأنه لو عرف عظمة ربه وكبرياءه لاستحى أن يتكبر وأنْ ينازع الله صفة من صفاته .