Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 60-60)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله سبحانه : { ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الزمر : 60 ] أي : في قولهم : { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي } [ الزمر : 57 ] وفي غيرها لأن الله هداك ودلَّكَ وأرشدك حين بعث لك الرسل مُؤيَّدةً بالمعجزات ، وأنزل لك الكتب وبيَّن لك الحلال والحرام ، وكذبوا في غير ذلك كالذين قالوا : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] وكالذين قالوا : { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ] ومثلهم الذين ادعوا أن مع الله آلهة أخرى . كل هؤلاء كذبوا على الله لذلك يأتون يوم القيامة { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] نعم مسودة لأنهم الآن يواجهون الحق الذي كذبوا عليه ، فلابدَّ أنْ تكون وجوههم مُسْودة عليها غبرة ترهقها قترة مما فعلوه . وهذا ليس ذماً للسواد في ذاته ، لأن السواد خَلْق من خَلْق الله لا يُذَمُّ في ذاته ، فقد ترى الرجل أبيض اللون ، لكن تعلوه قتامة وقتر ، فتجد وجهه مظلماً والعياذ بالله ، وهذا أثر المعاصي والذنوب على الوجه في الدنيا قبل الآخرة . وترى العبد الزنجي كأن وجهه زبيبة ، لكن يعلوه ضياء وإِشراق ، وتجد على وجهه علامات الصلاح ، وكأن وجهه يتلألأ نوراً ولا تزهد أبداً في النظر إليه لذلك يقول سبحانه وتعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } [ عبس : 38 - 42 ] . إذن : الوصف لا يُمدح ولا يُذم لذاته ، والسواد والبياض هنا ليس هو السواد كما نعرفه في الدنيا فهي عملية نسبية ، وكنت أرى بعض الصالحين وكأن في وجهه كشافاً يُضيء ، وتبدو الفرحة على وجهه وكأن نورَ اليقين وبشاشة الإيمان تعدَّتْ داخله ونضحَتْ على وجهه نوراً ونضارة ، وهو صاحب بَشْرة سوداء مثل الأبنوس . ومثل هذا نجده في قوله تعالى : { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [ لقمان : 19 ] فهل يُذمّ صوت الحمير إنْ صدر منها ؟ لا لأن الخالق خلقه على هذه الصورة ، وعُلو صوت الحمار لحكمة لأنه قد يختفي مثلاً وراء جبل أو تَلٍّ عالٍ ، فلا يهتدي إليه صاحبه إلا من خلال صوته ، لكن يُذمُّ عُلو الصوت في الإنسان ، فهو أنكر الأصوات إنْ صدر منه ما يشبه صوت الحمار . كذلك في : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] فليس هذا ذماً للحمار ، لأن الحمار في الحمل يؤدي مهمة وهي الحمل فحسْب ، فهو يحمل حمله دون تبرُّم ودون اعتراض ، لكن يُذمُّ الإنسان إنْ تشبَّه بالحمار فارتضى لنفسه أنْ يحمل فقط دون أنْ يعي ما يحمله ، ودون أنْ يفهم ، وأنْ يُطبق ما علم . وقوله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } [ الزمر : 60 ] هذا استفهام منفي نجيب عليه فنقول : بلى يا رب ، يعني : لا بل لهم مثوى في جهنم ، والمعنى : ماذا يظنون ؟ أيظنون أنه لا محلَّ لهم فيها ولا مكان ، إن مكانهم جاهز ومُعَدٌّ بأسمائهم ينتظرهم ويشتاق إليهم ، فليس في جهنم أزمة مساكن كما قلنا . فالحق سبحانه خلق أزلاً الخلق ، وجعل لكل واحد منهم مكاناً في الجنة على اعتبار أن الخلق جميعاً سيؤمنون بالله ، وجعل لكل واحد منهم مكاناً في النار على اعتبار أن الخلْق سيكفرون ، فإذا ما دخل أهل الجنةِ الجنةَ ، ودخل أهلُ النارِ النارَ وُزِّعَتْ أماكن أهل النار المعدة لهم لو آمنوا على أهل الجنة ، كما قال سبحانه : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 72 ] . ومعنى مَثْوَى أي : مكان إيواء وإقامة دائمة { لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } [ الزمر : 60 ] .