Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 73-73)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا أيضاً ساقتهم الملائكة مع الفارق بين سَوْق الكافرين وسَوْق المتقين ، فالكافرون ساقتهم الملائكة ليعجلوا لهم العذاب سَوْقاً فيه زجر وقسوة ، أما المتقون فيُساقون سَوْق المحب لحبيبه ليعجلوا لهم النعيم . وقوله زمراً يعني : جماعات كل جماعة على حِدَة ، فهؤلاء الزهاد وهؤلاء العلماء وهؤلاء المجاهدون وهؤلاء الأمناء { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا … } [ الزمر : 73 ] هناك قال فًتِحَتْ وهنا وَفُتِحَتْ قالوا في أهل النار فُتِحَتْ هي جواب الشرط ، أما هنا وَفَتِحَتْ ليستْ جواباً للشرط ، بل جواب الشرط في النعيم المذكور بعدها ، لأن فتح الأبواب ليس هو الغاية ، إنما الغاية ما يتبع ذلك من النعيم . فالواو هنا عاطفة وجملة { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا … } [ الزمر : 73 ] معطوفة على { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا … } [ الزمر : 73 ] ذلك لأن المؤمنين ما كانوا يشكّون في هذا اليوم ، أما الكفّار فيشكونَ فيه لذلك جعل { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا … } [ الزمر : 71 ] جواباً للشرط قبلها . أما في المتقين فجواب الشرط أسمى من مجرد فتح الأبواب لهم ، ففتحت هذه مداخل الرحمة التي سيذكرها بعد ، ويذكر مكوناتها ، وكيف أنها تتدرج بداية من تحية الملائكة لهم : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ … } [ الزمر : 73 ] لأنكم طهرتم أنفسكم من دنس المعاصي والشرك { فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] إلى آخر السورة ، حيث يروْنَ الملائكة حافّين من حول العرش ، وهذا هو جواب الشرط الذي يليق بهم . جماعة أخرى من العلماء قالوا : إن جواب الشرط هو وفتحت والواو هذه واو الثمانية ، فما المراد بواو الثمانية ؟ قالوا : كان منتهى العدد عند العرب سبعة ، فإذا جاء شيء بعد السبعة يعدُّونه كلاماً جديداً فيعطفونه بالواو ، ومن ذلك قوله تعالى في أهل الكهف : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ … } [ الكهف : 22 ] فقبل الثامن يذكر الواو . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 112 ] فكلمة الناهون هي الثامنة لذلك سُبقت بالواو . وقال بعضهم : إن من ذلك قوله تعالى في سورة التحريم : { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . نعم كلمة أبكاراً هنا هي الثامنة ، لكن الواو جاءت هنا للفصل بين الاثنين ، فالثيبات لا يكُنَّ أبداً أبكاراً . إذن : فهذه الآية لا يُحتجّ بها في هذا الموضوع ، إنما يُحتج بآية الكهف وآية التحريم ، على أن العدد سبعة هو منتهى العدد عند العرب ، وكذلك العدد ألف . لذلك لما وقعتْ ابنة كسرى في الأَسْر وذهبتْ لتفدي نفسها ، فقالوا لمن أخذها في حصته : كم تطلب فيها ؟ قال : ألف دينار ، فقالوا له : إنها بنت كسرى . يعني : كان بإمكانك أن تزيد على ذلك فقال : والله لو كنتُ أعلم أن وراء الألف عدداً لقُلْته . ونحن لا نرى هذا الرأي ، فكلمة وَفُتِحَتْ ليستْ هي جواب الشرط هنا ، لأن جواب الشرط بالنسبة للمتقين أسمى من فتح الأبواب لهم وأسمى من قَوْل الملائكة لهم { سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ … } [ الزمر : 73 ] وأسمى من { طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] لأن الحق سبحانه سيقول بعد ذلك : { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ … } [ الزمر : 75 ] فذكر العرش هنا والملائكة تطوف به مُسبِّحة بحمد ربهم فيه إِشارة إلى منتهى النعيم الذي سيلاقيه المتقون ، حيث يروْنَ الحق سبحانه الذي استوى على هذا العرش ، هذه هي الغاية التي يناسب أن تكون جواباً للشرط السابق . لكن لماذا أخفى اللهُ جوابَ الشرط هكذا ؟ قالوا : لأنه لو قالها أي : " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " لو قالها الآن لكانت قد سمعت ، إنما أراد سبحانه أن تكون مفاجأة على أنها مما لا يخطر على قلب بشر ، يعني : لا تأتي على البال . فمثلاً في فاكهة الجنة يأتي لي بالفاكهة التي أعرفها كالتفاح والمانجو مثلاً نحن نعرفها في الدنيا ، لأنه لو أتى بفاكهة جديدة لم نعرفها في الدنيا لَقُلْنا : لو كانت في الدنيا لكانت مثل هذا شكلاً وطعماً ، لذلك تأتي الفاكهة مما نعرفه في الدنيا ، لكن بمواصفات أخرى يتحقق فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر . إذن : التفاضل يأتي من كَوْنها في الجنة ، ثم لو جاءت لي الفاكهة في الجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فكيف لو جاءت للمرة الثانية ؟ لا بد أنني سأكون قد رأيتها من قبل وخطرتْ على بالي ، فحين أرى المانجو مثلاً أقول : أنا أكلتُها قبل ذلك . قالوا : لا بل ستكون على هيئة أخرى ، ولون آخر ، وطعم آخر غير الذي أكلتُه في المرة الأولى ، وهكذا يتحقق في نعيم الجنة ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشر . لذلك يقول تعالى : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً … } [ البقرة : 25 ] .