Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-8)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضُّر هو ما يُخرِج الإنسان عن سلامته في نفسه ، أو فيمَنْ يعول أو فيما يملك ، والإنسان حينما يصيبه الضُّر يُفقِده ركيزة التعالي ، و العنطزة لأنه لا يسلِّم نفسه بلا ثمن ، ويعرف أنه لا أحدَ يرفع عنه ضُرَّه إلا الله ، فيتوجه إليه وحده ولا يغشَّ نفسه . وقد أوضحنا هذه المسألة بحلاق الصحة زمان ، وكان يقوم بدور الطبيب في البلدة ، فلما انتشر التعليم وتخرَّج بعض الأطباء من كلية الطب خاف صاحبنا على أكل عيشه ، وخاف أنْ يسحب هؤلاء البساطَ من تحت قدميه فراح الحلاق يُهوِّن من شأن الطبيب الجديد الذي عُيِّن في البلدة يقول : إنه لا يعرف شيئاً وو ، يريد أنْ يصرف الناسَ عنه ، لكن لما مرض ولده ماذا فعل ؟ هل غَشّ نفسه ؟ لا بل لفَّ الولد بالليل ، وأخذه إلى الطبيب الذي طالما تكلم في حقه وقلَّل من قدراته أمام الناس ، أما الآن والمريض ولده فإنه يعود إلى الحق ولا يخدع نفسه . كذلك الإنسان إذا مسَّه الضر وعزَّتْ عليه أسبابه لا يلجأ إلا إلى ربه بعد أنْ انهدَّتْ فيه حيثية { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] وبعد أنْ سقط عنه قناع التعالي والغطرسة . وقلنا : إن هذه القضية يستطيع كلٌّ منّا أن يلمسها في نفسه فأنت مثلاً تعطي ولدك مصروفه كل يوم عندما يذهب إلى المدرسة ، وفي يوم ما نسيت تعطيه المصروف ، ماذا يفعل ؟ يتعرَّض هو لك ويحاول أنْ يمر من أمامك وكأنه يُذكِّرك بما نسيته ، فيسلم عليك أو يقول : أنا رايح المدرسة يا بابا ، ولو أنك تعطيه مصروفه كل شهر ما فعل ذلك طوال التسعة وعشرين يوماً ، نعم { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] . فالإنسان ساعةَ يصيبه الضر ، وهو يعلم أن الضر لا يرفعه إلا الله ، ولا يصرفه إلا خالق السماوات والأرض ، فإنه لا يتوجه إلا إليه ، لمن تعتقد مواجيده أنه قادر على رَفْع هذا الضر ، حتى لو كان كافراً بالله ، غيرَ مؤمن به فإنه إذا مسَّه الضر يقول : يا رب ، والعجيب أن الله يقبله ويغيثه ولا يرده { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } [ النمل : 62 ] . ويكفيك أنك لم تجد إلا أنا ولا تقول إلا يا رب . لذلك قال سبحانه : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] يعني : إنْ دعوتَ غير الله لا يستطيع الوصول ، ويضل الطريق إليك ، ولا يجيبك إلا الله . ومعنى { مُنِيباً إِلَيْهِ } [ الزمر : 8 ] راجعاً إليه { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } [ الزمر : 8 ] يعني : أعطاه { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } [ الزمر : 8 ] أثار العلماءُ ضجة ومعركة حول الاسم الموصول ما هنا وقالوا : لماذا لم يقل نسي مَنْ لأن مَنْ تدل على العاقل ، أما مَا فلغير العاقل ، على معنى أن مَا هنا تعود إلى الله تعالى . ونقول : القرآن يسير على غير هذا ، واقرأ : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 1 - 3 ] فـ ما أطلقت على الله تعالى . إذن : ما هنا في معناها الصحيح ، وإنْ غابت عنكم حكمة ذلك ، نعم مَنْ للعاقل ، وما لغير العاقل ، لكن الحق سبحانه لم يصف نفسه بالعقل لأن العقل صفتك أنت ، فجاء بالصفة التي لا تمنع عدم وجود العقل ، ولو قال مَنْ لأدخل الحق سبحانه فيمن يعقل ، وهو سبحانه لم يصِف نفسه بأنه عاقل ، إنما عالم وعلاَّم . ويمكن تفادي هذا الإشكال لو وجَّهنا ما توجيهاً آخر ، فيكون المعنى : نسي الضر الذي كان سبباً في رجوعه إلى الله ، لا نسي مَنْ أنقذه ، وكشف عنه ضُرَّه ، وتكون مَا بمعناها اللغوي لغير العاقل . وقوله : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } [ الزمر : 8 ] أنداد : جمع ند ، وهو الشبيه أو المثيل والنظير ، وهؤلاء الكفار رجعوا لله تعالى أنداداً مع علمهم أنه الإله الحق سبحانه ، ومع علمهم أنه ضَلَّ مَنْ تدعون إلا إياه ، ليرضوا في أنفسهم مواجيد الفطرة الإيمانية ، فالواحد منهم يريد أنْ يكون له إله يعبده ، لكن إله على هواه ، إله ليس له تكاليف ، وليس في عبادته مشقة على النفس ، إله بلا منهج : لا افعل ، ولا لا تفعل . وقوله { لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } [ الزمر : 8 ] البعض قرأها بالفتح ليَضل ونقول : هو لم يفعل ذلك إلا لأنه ضَالٌّ في نفسه ، فالأقرب بالضم ليُضل أي : يُضل غيره . ثم يقول سبحانه قُل أي : رُدَّ يا محمد . وقُلْ : { تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [ الزمر : 8 ] لكن ما وجه التمتُّع بالكفر ؟ قلنا : أن يعبدَ إلهاً بلا منهج وبلا تكاليف ، إلهاً لا يمنعه من شُرْب الخمر ولا يقيد شهوات نفسه إلهاً لا يأمره بالصدق ولا بالأمانة … إلخ بل يتركه يربع في الكون يتمتع به كما يشاء . وقال : { قَلِيلاً } [ الزمر : 8 ] لأن التمتُّع هنا موقوت بالدنيا ومدة بقائه فيها ، وقلنا : إن الدنيا بالنسبة للإنسان هي مدة بقائه فيها لا مدتها منذ خَلْق آدم إلى قيام الساعة . وكلمة { مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [ الزمر : 8 ] الصحبة هنا تدل على التعارف والمودة الحميمة بين النار وأهلها لذلك يقول تعالى في خطاب النار : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] يعني : هاتوا أحبابي وأصحابي ، وإليَّ بالمزيد منهم . ثم يقول الحق سبحانه : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ … } .