Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-114)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وسبحانه يوضح أمر هذه النجوى التي تحمل التبييت للإضلال ، ولكن ماذا إن كانت النجوى لتعين على حق ؟ إنه سبحانه يستثنيها هنا لذلك لم يصدر حكماً جازماً ضد كل نجوى ، واستثنى منها نجوى مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، بل ويجزى عليها حسن الثواب . لذلك قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } . ويستخدم الحق هنا كلمة " سوف " ، وكان من الممكن أن يأتي القول " فسنؤتيه أجراً عظيماً " لكن لدقة الأداء القرآني البالغة جاءت بأبعد المسافات وهي " سوف " . ونعرف أن جواب شرط الفعل إذا ما جاء على مسافة قريبة فنحن نستخدم " السين " ، وإذا ما جاء جواب الشرط على مسافة بعيدة فنحن نستخدم " سوف " . وجاء الحق هنا بـ " سوف " لأن مناط الجزاء هو الآخرة ، فإياك أيها العبد المؤمن أن تقول : لماذا لم يعطني الله الجزاء على الطيب في الدنيا ؟ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يقل : " فسنؤتيه " ولكنه قال : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } مما يدل على أن الفضل والإكرام من الله وإن كان عاجلاً ليس هو الجزاء على هذا العمل لأن جزاء الحق لعبادة المؤمنين سيكون كبيراً ، ولا يدل على هذا الجزاء في الآخرة إلاّ " فسوف " . ونعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يمني أمته الإيمانية بشيء فهو يمنيها بالآخرة ، ولننظر إلى بيعة العقبة عندما جاء الأنصار من المدينة لمبايعة رسول الله : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه : " بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " . لقد أخذت لنفسك يا رسول الله ونحن نريد أن نأخذ لأنفسنا ، ماذا لنا إن نحن وفّينا بهذا ؟ ولنر عظمة الجواب وإلهامية الرد ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لكم الجنة " كان في استطاعة رسول الله أن يقول لهم : إنكم ستنتصرون وإنكم ستأخذون مشارق الأرض ومغاربها وسيأتي لكم خير البلاد الإسلامية كلها . لكنه بحكمته لم يقل ذلك أبداً فقد يستشهد واحد منهم في قتال من أجل نصرة دين الله ، فماذا سيأخذ في الدنيا ؟ . إنه لن يأخذ حظه من التكريم في الدنيا ، ولكنه سينال الجزاء في الآخرة . لذلك جاء بالجزاء الذي سيشمل الكل ، وهو الجنة ليدلهم على أن الدنيا أتفه من أن يكون جزاء الله محصوراً فيها ، ويحض كل المؤمنين على أن يطلبوا جزاء الآخرة ونعلم جميعاً هذه الحكاية ، ونجد رجلاً يقول لصاحبه : أتحبني ؟ فأجاب الصاحب : نعم أحبك . فسأل السائل : على أي قدر تحبني ؟ قال الصاحب : قدر الدنيا . أجاب الرجل : ما أتفهني عندك ! ! . يقول الحق : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } ومن صاحب " نؤتيه " والفاعل لهذا العطاء ؟ إنه الحق سبحانه وتعالى الذي وصف الأجر بأنه أجر عظيم . وكأن الحق يبلغنا : - يا معشر الأمة الإيمانية التحموا بمنهج رسول الله وامتزجوا به لتكونوا معه شيئاً واحداً . وإياكم أن يكون لكم رأي منفصل عن المنهج فهو مبلغ عن الله ، فمن آمن به فليلتحم به . ولذلك نجد سيدنا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ساعة حدثوه في حكاية الإسراء والمعراج نجده يسأل محدثه : أقال رسول الله ما قلتموه … ؟ فيقولون : بلى ، لقد قال . فيرد عليهم الصديق : إن كان قال فقد صدق فالصديق أبو بكر لا يحتاج إلى دليل على صدق ما قال رسول الله . ويأتي الحق بالمقابل فيقول : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ … } .