Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 122-122)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وحين يأتي سبحانه بأمر يتعلق بالكفار وعقابهم فالنفوس مهيأة ومستعدة لتسمع عن المقابل ، فإذا كان جزاء الكفار ينفر الإنسان من أن يكون منهم ، فالنفس السامعة تنجذب إلى المقابل وهو الحديث عن جزاء المؤمنين أصحاب العمل الصالح . وسبحانه قال من قبل : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 114 ] وهنا يقول : { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . والمتيقن من الله والواثق به يعلم أنه لا توجد مسافة تبعده عن عطاء الله ، مثال ذلك " حينما سأل النبيُّ أحد الصحابة وكان اسمه الحارث بن مالك الأنصاري : كيف أصبحت يا حارث ؟ . قال : أصبحت مؤمنا حقاً . لقد أجاب الصحابي بكلمة كبيرة المعاني وهي الإيمان حقاً لذلك قال الرسول : انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك " ؟ أجاب الصحابي : عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربيّ بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها يتصايحون فيها . فقال : " يا حارث : عرفت فالزم ثلاثا " . والحق ساعة يقول : " سـ " وساعة يقول : " سوف " فلكل حرف من الحروف الداخلة على الفعل ملحظ ومغزى وكل عطاء من الله جميل . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . والجنة - كما قلنا من قبل - على إطلاقها تنصرف إلى جنة الآخرة فهي الجنة بحق ، أما جنة الدنيا فمن الممكن أن يتصوّحَ نباتها وشجرها وييبس ويتناثر ، أو يصيبها الجدب ، أمّا جنة الآخرة فهي ذات الأكل الدائم ، وإن لم تطلق كلمة " الجنة " من أي قيد أو وصف بل قيدت ، فالقصد منها معنى آخر كقول الحق : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [ القلم : 17 ] وقوله سبحانه : { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ } [ البقرة : 265 ] والجنة بربوة هي البستان على مكان عال ، وهي ذات مواصفات أعلى مما وصل إليه العلم الحديث لأن الأرض إذا كانت عالية لا تستطيع المياه الجوفية أن تفسد جذور النبات المزروع في هذه الأرض ، فيظل النبات أخضر اللون ، ويقول الحق عن مثل هذه الجنة : { فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } [ البقرة : 265 ] ويزيد على ذلك أنها بربوة ، وأنها تروى بالمطر من أعلى ، ومن الطل ، فتأخذ الرّي من المطر للجذور ، والطل لغسل الأوراق . كل ذلك يطلق على الجنة . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ويطمئننا سبحانه على احتفاظها بنضرتها وخضرتها ، وأول شيء يمنع الخضرة هو أن يقل الماء فتذبل الخضرة . ونجد القرآن مرة يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } وهذا يعني أن منبع المياه بعيد . ومرة أخرى يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ويعني أن منبع المياه لن يحجزه أحد لأن الأنهار تجري وتنبع من تحتها . ويعد الحق المؤمنين أصحاب العمل الصالح بالخلود في الجنة ، والخلود هو المكث طويلاً ، فإذا قال الحق : { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي أن المكث في الجنة ينتقل من المكث طويلاً إلى المكث الدائم . وهذا وعد مَن ؟ { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } . وحين يعدك من لا يخرجه شيء عن إنفاذ وعده ، فهذا هو وعد الحق - سبحانه - . أما وعد المساوي لك في البشرية فقد لا يتحقق ، لعله ساعة إنفاذ الوعد يغير رأيه ، أو لا يجد الوُجد واليسار والسَّعة والغنى فلا يستطيع أن يوفي بما وعد به ، أو قد يتغير قلبه من ناحيتك ، لكن الله سبحانه وتعالى لا تتناوله الأغيار ، ولا يعجزه شيء ، وليس معه إله آخر يقول له لا . إن وعده سبحانه لا رجوع فيه ولا محيص عن تحقيقه . قول الله هنا { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } هو كلام منه ليوضح لكل واحد منا : أنا لا أريد أن أستفهم منك ، لكنه جاء على صورة الاستفهام لتكون الإجابة من الخلق إقرارا منهم بصدق ما يقوله الله ، أيوجد أصدق من الله ؟ وتكون الإجابة : لا يمكن ، حاشا لله لأن الكذب إنما يأتي من الكذاب ليحقق لنفسه أمراً لم يكن الصدق ليحققه ، أو لخوف ممن يكذب عنده ، والله منزه عن ذلك ، فإذا قال قولاً فهو صدق . ومن بعد ذلك يقول الحق : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ … } .