Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-123)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والأمنية - كما عرفنا - هي أن يطمح الإنسان إلى شيء ممتع مسعد بدون رصيد من عمل ، إنَّ الحق سبحانه وتعالى حينما استخلف الإنسان في الأرض طلب منه أن يستقبل كل شيء صالح في الوجود استقبال المحافظ عليه ، فلا يفسد الصالح بالفعل ، وإن أراد الإنسان طموحاً إلى ما يسعد ، فعليه أن يزيد الصالح صلاحاً . والمثل الذي نضربه لذلك ، عندما يوجد بئر يشرب منها الناس ، فهذه البئر لها حواف وجوانب وأطراف ، وتفسد البئر إذا جاء أحد لهذه الحوافي وأزاح ما فيها من الأتربة ليطمر البئر . ومن يرد استمرار صلاح البئر فهو يتركها كما هي وبذلك يترك الصالح على صلاحه . وإن شاء إنسان أن يطمح إلى عمل مسعد ممتع له ولغيره فهو يعمل ليزيد الصالح صلاحاً … كأن يأتي إلى جوانب البئر ويبني حولها جداراً من الطوب كي لا يتسلل التراب إلى الماء أو على الأقل يصنع غطاءً للبئر ، فإن طمح الإنسان اكثر فهو يفكر في راحة الناس ويحاول أن يوفر عليهم الذهاب إلى البئر ليملأوا جِرارهم وقِرَبهم فيفكر في رفع المياه بمضخة ماصة كابسة إلى صهريج عال ، ثم يخرج من هذا الصهريج الأنابيب لتصل إلى البيوت ، فيأخذ كل واحد المياه وهو مرتاح ، إنه بذلك يزيد الصالح صلاحاً . أما إن أراد الإنسان أن يطمح إلى ممتع دون عمل … فهذه هي الأماني الكاذبة . ولو ظل إنسان يحلم بالأمنيات ولا ينفذها بخطة من عمل … فهذه هي الأماني التي لا ثمرة لها سوى الخيبة والتخلف . إذن فالأمنية هي أن يطمح إنسان إلى أمر ممتع مسعد بدون رصيد من عمل . ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى أعطانا من كل شيء سببا ، ولنلحظ أن الحق قد قال : { فَأَتْبَعَ سَبَباً } [ الكهف : 85 ] أي أن الإنسان مطالب بأن يصنع أشياء تُرَقِّي أساليب الحياة في الأرض ، فالله ضمن للإنسان الخليفة مقومات الحياة الضرورية ، وعندما يريد الإنسان الترف والتنعم فلا بد أن يكدح . ومثال ذلك : لقد أعطى الحق الإنسان المطر فينزل الماء من السماء ، وينزل ماء المطر في مجارٍ محددة ، حفرها المطر لنفسه ، وقد يكون في كل مجرى تراب من صخور أو طمي لذلك يقوم الإنسان بترويق المياه ، ويرفعها في صهاريج لتأتيه إلى المنزل ، وبدلاً من أن يشربها بيده من النهر مباشرة ، يصنع كوباً جميلاً . وصنع الإنسانُ الكوبَ في البداية من الفخار ، ثم من مواد مختلفة كالنحاس ثم البللور . وهكذا نجد أن كل ترف يحتاج إلى عمل يوصل إليه ، فليست المسألة بالأماني . وكذلك الانتساب إلى الدين ، ليست المسألة أن يمتثل الإنسان وينتسب إلى الدين شكلاً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليحكم بين الناس جميعاً ، ولا يمكن لواحد أن ينتسب شكلاً إلى الإسلام ليأخذ المميزات ويتميز بها عن بقية خلق الله من الديانات الأخرى ، لا فالإنسان محكوم بما يدين به . والمسلم أول محكوم بما دان به . كذلك قال الحق : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } والخطاب هنا لمن ؟ . إن كان الخطاب للمؤمنين فالحق يوضح لهم : يا أيها المؤمنون ليست المسألة مسألة أماني ، ولكنها مسألة عمل لأن انتسابكم للإسلام لا يعفيكم من العمل فكم من أناس يعبرون الدنيا وتنقضي حياتهم فيها ولا يصنعون حسنة ، فإذا قيل لهم : ولماذا تعيشون الحياة بلا عمل ؟ يقولون : أحسنّا الظن بالله . ونسمع الحسن البصري يقول لهؤلاء : ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ، إن قوماً ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا ، لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل به . وسبحانه يقول لهؤلاء : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } . أما إن كان الخطاب موجهاً لغير المؤمنين فالحق لم يمنع عطاء الدنيا لمن أخذ بالأسباب حتى ولو لم يؤمن . أما جزاء الآخرة فهو وعد منه سبحانه للمؤمنين الذين عملوا صالحاً ، وهو الوعد الحق بالجنة ، هذا الوعد الحق ليس بالأماني بل إن الوصول إلى هذا الوعد يكون بالعمل . إذن فقد يصح أن يكون الخطاب بـ { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } شاملاً أيضا الكفار والمنافقين وأهل الكتاب . وكان للكفار بعض من الأماني كقول المنكر للبعث : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] هذه هي أماني الكفار . ولن يتحقق هذا الوعد بالجنة لأهل الكتاب ، فقد قال الحق عن أمانيهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] وقالوا : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] كل هذه أماني خادعة لأن منهج الله واحد على الناس أجمعين ، من انتسب للإسلام الذي جاء خاتماً فليعمل لأن القضية الواضحة التي يحكم بها الله خلقه هي قوله سبحانه : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . وأبو هريرة رضي الله عنه يقول : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سدّدوا وقاربوا فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها " . وقال بعض العلماء : المراد بالسوء في هذه الآية هو الشرك بالله لأن الله وعد أن يغفر بعض الذنوب . واستند في ذلك إلى قوله الحق : { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } [ فاطر : 36 ] كأن الجزاء المؤلم يكون للكفار ، أما الذين آمنوا فالإيمان يرفعهم إلى شرف المنزلة ليقبل الله توبتهم ويغفر لهم ، فسبحانه الحق جعل الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ، وجعل صلاة الجمعة إلى صلاة الجمعة كفارة لما بينهما ، وجعل الحج كفارة لما سبقه ، وكل ذلك امتيازات إيمانية . أما جزاء الكفار فهو : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . ولا يقال فلان لا يجد إلا إذا بحث هذا الشخص عن شيء فلم يجده ، فالإنسان بذاته لا يستغنى ، ولكن من يعمل سوءا فليبحث لنفسه عن ولي أو نصير ولن يجد . والولي هو الذي يلي الإنسان ، أي يقرب منه ، ومثلها النصير والمعاون ، ولا يلي الإنسان ولا يقرب منه إلا من أحبه . ومادام قد أحب قويٌّ ضعيفاً ، فهو قادر على الدفاع عنه ومعاونته . ولماذا أورد الحق هنا " الولي " ، و " النصير " ؟ . والولي - كما عرفنا - هو القريب الذي يلي الإنسان ، أما كلمة " نصير " فتوحي أن هناك معارك وخصومة بين المؤمن وغيره ، وهناك قوة كبرى قد يظهر للإنسان أنها لا تسأل عنه لأنه في سلام ورخاء ، إن هذه القوة عندما تعلم أن هناك خصوماً للمؤمن تأتي لنصرته ، بينما لا يجد الكافر ولياً ولا نصيراً ، ولن يجد من يقرب منه ولن يجد من ينصره إن عضته الأحداث ، وعض الأحداث هو الذي يجعل الناس تتعاطف مع المصاب حتى إن البعيد عن الإنسان يفزع إليه لينصره ، لكن أحداً لا ينصر على الله . ومن بعد ذلك يقول الحق : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ … } .