Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 139-139)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وأول مظهر من مظاهر النفاق أن يتخذ المنافقُ الكافرَ ولياً له يقرب منه ويوده ، ويستمد منه النصرة والمعونة ، والمؤانسة والمجالسة ، ويترك المؤمنين . وعرفنا أن كل فعل من الأفعال البشرية لا بد أن يحدث لغاية تُطْلَب منه ، ولا يتجرد الفعل عن الغاية إلا في المجنون الذي يفعل الأفعال بدون أي غاية ، لكن العاقل يفعل الفعل لغاية ، ولهدف يرجوه . والمنافقون يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين لأي غاية ولأي هدف ؟ ويكشف الحق هذه المسألة فيوضح : أنهم يبتغون العزة من الكافرين ، ولذلك اتخذوهم أولياء من دون المؤمنين . ويلفتهم - جل شأنه - إلى جهلهم لأنهم أخذوا طريقاً يوصلهم إلى ما هو ضد الغاية . فماداموا يبتغون العزة فليعرفوا أولاً : ما العزّة ؟ . العزة مأخوذة من معنى مادي وهو الصلابة والشدة . فالأرض العَزَاز أي الصلبة التي لا ينال منها المعول ، ثم نقلت إلى كل شديد ، فكل شيء شديد فيه عِزّة . والمراد بها هنا : الغلبة والنصر ، وكل هذه المعاني تتضمنها العزة . فإذا قيل : الله عزيز … أي أنه سبحانه وتعالى غالب على أمره شديد لا يمكن أن يقدر على مِحاله أو مكره أو قوته أو عقابه أحد . وإذا قيل : فلان عزيز أي لا يُغلب ، وإذا قيل : هذا الشيء عزيز أي نادر ، ومادام الشيء نادراً فهو نفيس ، والمعادن النفيسة كلها أخذت حظها من ندرتها وقلتها . وما دمتم أيها المنافقون تطلبون العزة ، ألا تطلبونها ممن عنده ؟ . أتطلبونها من نظائركم ؟ . وعندما تطلبون العزة فذلك لأنكم لا تملكون عزة ذاتية ، فلو كانت عندكم عزة ذاتية لما طلبتم العزة من عند الكافرين . وهذا دليل على فقدانهم العزة لأنهم طلبوها من مساوٍ لهم من الأغيار ، فالمنافقون بشر ، والكفار بشر ، وبما أن كل البشر أغيار ، فمن الممكن أن يكونوا أعزاء اليوم وأذلاء غداً لأن أسباب العزة هي غنىً أو قوة أو جاه ، وكل هذه من الأغيار . فأنتم أيها المنافقون قد طلبتم العزة ممن لم يزد عليكم ، وهو من الأغيار مثلكم ، ولم تطلبوها من صاحب العزة الذاتية الأزلية الأبدية وهو الحق سبحانه وتعالى ، ولو أردتم العزة الحقيقية التي تغنيكم عن الطلب من الأغيار مثلكم فلتذهبوا إلى مصدر العزة الذي لا تناله الأغيار وهو الحق سبحانه وتعالى . لذلك أوضح لهم الحق : إن أردتم أن تتعلموا طلب العزة فعليكم أن تغيروا من أسلوبكم في طلبها ، فأنتم تتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وتبتغون عندهم العزة وهم من أهل الأغيار ، والأغيار تتبدل من يوم إلى يوم ، فإن كان الكفار أغنياء اليوم ، فغداً لن يكونوا كذلك ، ولقد رأيتم كبشر ان الغَنَّي يفتقر ، ورأيتم قوياً قد ضعف ، وطلب العزة من الأغيار يعني أنكم غير أعزاء ، ومع ذلك فأنتم تطلبون العزة من غير موضعها . فإن أردتم عزة حقيقية فاطلبوها ممن لا تتغير عزته وهو الحق سبحانه وتعالى : { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } . وفي هذا القول تصويب لطلب العزة . وليطلب كل إنسان العزة إيمانا بالله فسبحانه الذي يهب العزة ولا تتغير عزته : { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } . وكلمة " جميعاً " هذه دلت على أن العزة لها أفراد شتى : عزة غني ، عزة سلطان ، عزة جاه ، فإن أراد واحد أن يعرفها ويعلمها فهي - جميعا - في الحق سبحانه وتعالى . والمؤمنون في عبوديتهم لله عبيد لإله واحد وقد أغنانا الله بالعبودبة له عن أن نذل لأناس كثيرين . وسبحانه قد أنقذ المؤمن بالإيمان من أن يذل نفسه لأي مصدر من مصادر القوة ، أنقذ الضعيف من أن يذل نفسه لقوي ، وأنقذ الفقير من أن يذل نفسه لغني ، وأنقذ المريض من أن يذل نفسه لصحيح . إذن ساعة يَقول الحق : { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } فمعناها : إن أردت أيها الإنسان عزاً ينتظم ويفوق كل عز فاذهب إلى الله لأنه سبحانه أعزنا فنحن خلقه ، وعلى سبيل المثال نجد أن الحق لم يجعل الفقير يقترض ، بل قال : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } [ البقرة : 245 ] وهنا يرفع الله عبده الفقير إلى أعلى درجات العزة . العبد الفقير لا يقترض ، ولكن القرض مطلوب لله ، ولذلك قال أحدهم لأحد الضعفاء : إنك تسأل الناس ، ألا تعف ولا تسأل ؟ . فقال : أنا سألت الناس بأمر الله ، فالسائل يسأل بالله ، أي أن يتخذ الله شفيعاً ويسأل به . وعندما يطلب الإنسان العزة من مثيل له ، فهو يعتز بقوة هذا الكائن وهي قوة ممنوحة له من الله وقد يستردها - سبحانه - منه . فما بالنا بالقوة اللانهائية لله ، وكل قوة في الدنيا موهوبة من الله ، المال موهوب منه ، والجاه موهوب منه ، وكل عزة هي لله . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ … } .