Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-145)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولنر دقة التربية الإيمانية . فلم يأت الحق بفصل في كتابه عن المنافقين يورد فيه كل ما يتعلق بالمنافقين ، لا ، بل يأتي بلمحة عن المنافقين ثم يأتي بلقطة أخرى عن المؤمنين ، حتى ينفِّر السامع من وضع المنافق ويحببَه في صفات المؤمن ، وهنا يقول : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } . والدرك دائماً في نزول . والأثر الصالح يميز لنا ذلك بالقول : " النار دركات كما أن الجنة درجات " . فالنزول إلى أسفل هو الدرك ، والصعود إلى أعلى هو صعود الدرج . وفي عصرنا نضع مستوى سطح البحر كمقياس لأن اليابسة متعرجة ، أما البحر فهو مستطرق . ونستخدم في الأمر الدقيق - أيضا - ميزان المياه ، وعندما تسقط الأمطار على الطرق تكشف لنا عمل المقاول الذي رصف الطرق ، هل أتقن هذا العمل أو لا ؟ ونحن نلقي دلوا من المياه في الحمام بعد تبليطه حتى ينكشف جودة أو رداءة عمل العامل ، إذن هناك شيء يفضح شيئا آخر . والقول المصري الشائع : " إن الذي يقوم بعمل المحارة هو الذي يكشف عامل البناء " . فلو أن الحائط غير مستو فعامل المحارة مضطر أن يسد الفجوات والميول حتى يستوي سطح الحائط … والذي يكشف جودة عامل المحارة هو عامل طلاء الحائط لأنه إما أن يستخدم المعجون بكثرة ليملأ المناطق غير المستوية في الحائط ، وإما أن يجد الأمر سهلا . والذي يكشف جودة أو رداءة عمل عامل الطلاء هي أشياء طبيعية مثل الغبار . والعامل الذي يريد أن يغش هو الذي يسرع بتسليم البناء لأن الغبار الذي يوجد في الجو يمشي في خط مستقيم ، وعندما يوجد جدار تم طلاؤه بمادة غير جيدة فالغبار يلتصق به ، وكأن الله قد أراد بذلك أن يفضح من لا يتقن عمله ، وكل شيء مرده إلى الله حتى يصل الخلق جميعا إلى الحق سبحانه مفضوحين ، إلا المؤمنين الذين يعملون صالحاً ، فهؤلاء يسترهم بعملهم الصالح . { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } . وسبحانه وتعالى سبق أن عرض لنا صورة المنافقين المهزوزة التي لا ثبات لها على رأي ، ولا وجود لها على لون يحترمه المجتمع الذي يعيشون فيه فقال عنهم : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [ النساء : 143 ] والذبذبة لون من أرجحة الشخصية التي لا يوجد لها مقوم ذاتي . وسبحانه وتعالى حين عرضهم هذا العرض المشوه ، يوضح : أن جزائي لهم حق يناسب ما فعلوه . وقد هيأ الحق الأذهان ليجعلها مستعدة لقبول الحكم الذي أنزله عليهم حتى لا تأخذ الناس شفقة عليهم أو رحمة بهم ، وسبحانه حين يحكم حكما فهو يضمن بقيوميته ووحدانيته ألا يوجد منازع له في الحكم . وكان من الممكن أن يقول سأجعله في الدرك الأسفل من النار . ولن توجد قوة أخرى تنتشل المنافق لذلك أتبع الحق الحكم بقوله : { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أي أنه حكم مشمول بالنفاذ ، ولن يعدله أحد من خلق الله ، فسبحانه له الملك وحده ، وقد جعل سبحانه الملك في الدنيا لأسباب الناس أيضاً ، أما في الآخرة فلا مِلك لأحد ولا مُلك لأحد . { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] وبعد ذلك يتيح الحق لأقوام من المنافقين أن يعدلوا رأيهم في المسألة وأن يعلنوا إيمانهم وأن يتوبوا عما فعلوه - سبحانه - أتاح لهم أن يراجعوا أنفسهم ويحاسبوها فلم يغلق الباب دونهم بل قال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ … } .