Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 146-146)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن فمن الممكن أن توجد فتحة خير قد تدفع الإنسان إلى التوبة ، وحتى لا يظن أحد أن الحكم هنا نهائي ، وذلك حتى لا يفقد الإنسان نفسه ويتورط في مزيد من الشرور لذلك قال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } أي تاب عن نفاقه الأول ، وإذا ما كان قد ترتب على نفاقه السابق إفساد فلا بد أن يصلح ما أفسده ويعتصم بالله ويُخْلِص لله نيّةً وعملاً . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } . إذن فشروط النجاة من الدرك الأسفل من النار هي التوبة ، وإصلاح ما أفسد ، والاعتصام بالله ، وإخلاص دينه لله . والتوبة هنا إقلاع عن النفاق ، وألا يترك المنافق الفساد الذي صنعه نفاقه بل عليه أن يحاول جاهداً أن يصلح ما أفسده بهذا النفاق . والاعتصام بالله كيف يكون ؟ لقد عرفنا من قبل أنهم كانوا يفعلون ذلك لابتغاء العزة عند الكافرين … أي أن نفس المنافق تطمئن إلى هؤلاء الكافرين فيفزع إليهم ويعتز بشدتهم وبصلابتهم لذلك يوضح الله : انزعوا هذه الفكرة من رءوسكم وليكن اعتصامكم بالله وحده لأنه لا يُجِير أحد على الله ، واجعلوا العزة لله والمرجع إليه وحده . والملاحظ أن الذي يتوب ويصلح ويعتصم بالله يكون قد استوفى أركان اليقين الإيماني بالله ، لكن الحق يقول : { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } فلماذا أكد على الإخلاص هنا ؟ لأن تدبير النفاق كان ينبع من قلوبهم أولا . ونعلم أن القلب قد يذنب ، فذنب الجارحة أن تعتدي ، مثال ذلك العين تذنب حين تعتدي على محارم الآخرين ، واللسان يذنب إن تعرض بالسب أو الشتم للناس . إذن . فكل جارحة لها مجال معصية ، وهنا مجال معصية القلب هو النفاق وهو الأمر المستور . إذن فقوله الحق : { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } جاء ليؤكد ضرورة الإخلاص في التوبة عن النفاق ، والإخلاص محله القلب . فكأن توبة القلوب غير توبة الجوارح ، فتوبة الجوارح تكون بأن تكف الجوارح عن مجال معاصيها . أما توبة القلب فهو أن يكف عن مجال نفاقه بأن يخلص . وبذلك أثبت الحق مزية المؤمنين الذين لم ينغمسوا في النفاق . وجعل التائبين من المنافقين مع المؤمنين ، فكأن الأصل في التنعيم وفي نيل الجزاء العظيم هو الوجود مع المؤمنين . { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } . ومن هنا نعلم أن الأجر العظيم يكون للمؤمنين . ومن يوجد مع المؤمنين ينال الأجر نفسه . وقد جعل الحق الجزاء من جنس العمل . وكان المنافقون ينافقون ليأخذوا من المؤمنين ظواهر الإسلام كصون المال والدماء وليعتبرهم الجميع ظاهريا وشكليا من المسلمين ، وهم حين نافقوا المسلمين أعطاهم المسلمون ما عندهم . وعندما تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا الدين لله جعلهم الله مع المؤمنين ، ويعطي سبحانه لأهل الإيمان أجراً عظيماً . ثم يقول الحق سبحانه : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ … } .