Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 151-151)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " الكافرون حقاً " مقصود بها أن حقيقة الكفر موجودة فيهم لأننا قد نجد من يقول : وهل هناك كافر حق ، وكافر غير ذلك ؟ نعم . فالذي لا يؤمن بكل رسالات السماء قد يملك بعضاً من العذر ، لأنه لم يجد الرسول الذي يبلغه . أما الذي جاءه رسول وله صلة إيمانية به وهذه الصلة الإيمانية لحمته بالسماء بوساطة الوحي ، فإن كفر هذا الإنسان فكفره فظيع مؤكد . { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً } . ونلحظ أن الحق ساعة يتكلم عن الكافرين لا يعزلهم عن الحكم والجزاء الذي ينتظرهم ، بل يوجد الحكم معهم في النص الواحد . ولا يحيل الحق الحكم إلى آية أخرى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } وقد جاء هنا بالجزاء على الكفر ملتصقاً بالكفر ، فسبحانه قد جهز بالفعل العذاب المهين وأعَدّه للكافرين ولم يؤجل أمرهم أو يسوفه . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الجنَّة عرضت عليّ ولو شئت أن آتيكم بقطاف منها لفعلت " لقد أعد الحق الجنة والنار فعلاً وعرضها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو شاء الرسول أن يأتي المؤمنين بقطاف من ثمار الجنة لفعل . فإياكم أن تعتقدوا أن الله سيظل إلى أن تقوم الساعة ، ثم يرى كم واحداً قد كفر فيعد لهم عذاباً على حسب عددهم ، أو كم واحداً قد آمن فيعد لهم جنة ونعيماً على قدر عددهم ، بل أعد الحق الجنة على أن كل الناس مؤمنون ولهم مكان في الجنة ، وأعد النار على أن كل الناس كافرون ولهم أماكن في النار . فيأتي المؤمن للآخرة ويأخذ المكان المعد له ، ويأخذ أيضاً بعضاً من الأماكن في الجنة التي سبق إعدادها لمن كفر . مصداقاً لقوله الحق : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 10 - 11 ] فسبحانه لم ينتظر ولم يؤجل المسألة إلى حد عمل الإحصائية ليسأل من الذي آمن ومن الذي كفر ، ليعد لكل جماعة حسب تعدادها ناراً أو جنة ، بل عامل خلقه على أساس أن كل الذي يأتي إليه من البشر قد يكون مؤمناً ، لذلك أعد لكل منهم مكاناً في الجنة ، أو أن يكون كافراً ، فأعد لكل منهم مكاناً في النار . ونجد السؤال في الآخرة للنار : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] فالنار تطلب المزيد للأماكن التي كانت معدة لمن لم يدخلها أنه آمن بالله . ويرث الذين آمنوا الأماكن التي كانت معدة لمن لم يدخل الجنة لأنه كفر بالله وبرسله وفرق بين الله ورسله وقال نؤمن ببعض ونكفر ببعض . ويأتي من بعد ذلك المقابل للذين كفروا بالله ورسله وهم المؤمنون ، هذا هو المقابل المنطقي . والمجيء بالمقابلات أدعى لرسوخها في الذهن . مثال ذلك عندما ينظر مدير المدرسة إلى شابين ، كل منهما في الثانوية العامة ، فيقول : فلان قد نجح لأنه اجتهد ، والثاني قد خاب وفشل . هذه المفارقة تحدث لدى السامع لها المقارنة بين سلوك الاثنين . وهاهو ذا الحق يأتي بالمقابل للكافرين بالله ورسله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ … } .