Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 22-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكأن هذه مسألة كانت موجودة ، كان ينكح الولد زوج أبيه التي هي غير أمه . و " صفوان بن أمية " وهو من سادة قريش قد خلف أباه أمية بن خلف على " فاختة بنت الأسود بن المطلب " كانت تحت أبيه ، فلما مات أبوه تزوجها هو ، ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبعد هذه القضية من محيط الأسرة ، لماذا ؟ لأن الأب والابن لهما من العلاقات كالمودَّة والرحمة والحنان والعطف من الأب ، والبر والأدب ، والاستكانة ، وجناح الذل من الابن ، فحين يتزوج الرجل امرأة وله ابن ، فذلك دليل على أن الأب كان متزوجاً أمه قبلها ، وكأن الزيجة الجديدة طرأت على الأسرة . وسبحانه يريد ألا يجعل العين من الولد تتطلع إلى المرأة التي تحت أبيه ، ربما راقته ، ربما أعجبته ، فإذا ما راقته وأعجبته فأقل أنواع التفكير أن يقول بينه وبين نفسه : بعدما يموت أبي أتزوجها ، فحين يوجد له الأمل في أنه بعدما يموت والده يتزوجها ، ربما يفرح بموت أبيه ، هذا إن لم يكن يسعى في التخلص من أبيه ، وأنتم تعلمون سعار الغرائز حين تأتي ، فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يقطع على الولد أمل الالتقاء ولو بالرجاء والتمني ، وأنه يجب عليه أن ينظر إلى الجارية أو الزوجة التي تحت أبيه نظرته إلى أمه ، حين ينظر إليها هذه النظرة تمتنع نزغات الشيطان . فيقول الحق : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ … } [ النساء : 22 ] والنكاح هنا يُطلق فينصرف إلى الوطء والدخول ، وقد ينصرف إلى العقد ، إلا أن انصرافه إلى الوطء والدخول - أي العملية الجنسية - هو الشائع والأوْلى ، لأن الله حينما يقول : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً … } [ النور : 3 ] معناها أنَّه ينكح دون عقد وأن تتم العملية الجنسية دون زواج . والحق هنا يقول : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ … } [ النساء : 22 ] فما هو السلف هذا ؟ إن ما سلف كان موجوداً ، أي جاء الإسلام فوجد ذلك الأمر متبعاً ، وجاء الإسلام بتحريم مثل هذا الأمر . فالزمن الجديد بعد الإسلام لا يحل أن يحدث فيه ذلك وإن كان عقد النكاح قد حدث قبل الإسلام ، ولذلك قال - سبحانه - : { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ … } [ النساء : 22 ] فجاء بـ ما وهي راجعة للزمن . كأن الزمن الجديد لا يوجد فيه هذا . هب أن واحداً قد تزوج بامرأة أبيه ثم جاء الحكم . أيقول سلف أن تزوّجتها قبل الحكم ! نقول : لا الزمن انتهى ، إذن فقوله : { مَا قَدْ سَلَفَ … } [ النساء : 22 ] يعني الزمن ، وما دام الزمن انتهى يكون الزمن الجديد ليس فيه شيء من مثل تلك الأمور . لذا جاءت ما ولو جاءت مَن بدل ما لكان الحكم أن ما نكحت قبل الإسلام تبقى معه ، لكنه قال { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ . . } [ النساء : 22 ] فلا يصح في المستقبل أن يوجد منه شيء ألبتة ويجب التفريق بين الزوجين فيما كان قائماً من هذا الزواج . والحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه حين يشرِّع فهو يشرع ما تقتضيه الفطرة السليمة . فلم يقل : إنكم إن فعلتم ذلك يكون فاحشة ، بل إنه برغم وجوده من قديم كان فاحشة وكان فعلاً قبيحاً { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ النساء : 22 ] وما كان يصح بالفطرة أن تكون هذه المسألة على تلك الصورة ، إلا أنّ الناس عندما فسدت فطرتهم لجأوا إلى أن يتزوج الرجل امرأة أبيه ، ولذلك إذا استقرأت التاريخ القديم وجدت أن كل رجل تزوج من امرأة أبيه كان يُسمَّى عندهم نكاح " المقت " والولد الذي ينشأ يسمُّونه " المقتى " أي المكروه . إذن فقوله : { إِنَّهُ كَانَ … } [ النساء : 22 ] أي قبل أن أحكم أنا هذا الحكم { كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ النساء : 22 ] . فالله يوضح : إنني أشرع لكم ما تقتضيه الفطرة . والفطرة قد تنطمس في بعض الأمور ، وقد لا تنطمس في البعض الآخر لأن بعض الأمور فاقعة وظاهرة والتحريم فيها يتم بالفطرة . مثال ذلك : أن واحداً ما تزوج أمه قبل ذلك ، أو تزوج ابنته ، أو تزوج أخته . إذن ففيه أشياء حتى في الجاهلية ما اجترأ أحدٌ عليها . إذن جاء بالحكم الذي يحرم ما اجترأت عليه الجاهلية وتجاوزت وتخطت فيه الفطرة ، فقال سبحانه : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ … } [ النساء : 22 ] أي مضى . لقد وصف سبحانه نكاح الأبناء لزوجات آبائهم بأنه { كَانَ فَاحِشَةً … } [ النساء : 22 ] أي قبحاً ، { وَمَقْتاً … } [ النساء : 22 ] أي مكروهاً ، { وَسَآءَ سَبِيلاً … } [ النساء : 22 ] أي في بناء الأسرة . ثم شرع الحق سبحانه وتعالى يبين لنا المحرمات وإن كانت الجاهلية قد اتفقت فيها ، إلا أن الله حين يشرع حكماً كانت الجاهلية سائرة فيه لا يشرعه لأن الجاهلية فعلته ، لا . هو يشرعه لأن الفطرة تقتضيه ، وكون الجاهلية لم تفعله ، فهذا دليل على أنها فطرة لم تستطع الجاهلية أن تغيرها ، فقال الحق سبحانه وتعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ … } .