Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فلو أدركتم كل الكيفيات فلن تجدوا كيفية تبرر لكم الأخذ ، لماذا ؟ لأن الحق قال : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ … } [ النساء : 21 ] وانظر للتعليل : { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 21 ] . إذن فثمن البُضْع هو الإفضاء ، وكلمة { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 21 ] كلمة من إله لذلك تأخذ كل المعاني التي بين الرجل والمرأة و " أفضى " مأخوذة من " الفضاء " والفضاء هو المكان الواسع ، و { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ … } [ النساء : 21 ] يعني دخلتم مع بعض دخولاً غير مضيق . إذن فالإفضاء معناه : أنكم دخلتم معاً أوسع مدَاخَلة ، وحسبك من قمة المداخلة أن عورتها التي تسترها عن أبيها وعن أخيها وحتى عن أمها وأختها تبينها لك ، ولا يوجد إفضاء أكثر من هذا ، ودخلت معها في الاتصال الواسع ، أنفاسك ، ملامستك ، مباشرتك ، معاشرتك ، مدخلك ، مخرجك ، في حمامك ، في المطبخ ، في كل شيء حدثت إفضاءات ، وأنت ما دمت قد أفضيت لها وهي قد أفضت لك كما قال الحق أيضاً في المداخلة الشاملة : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ … } [ البقرة : 187 ] . أي شيء تريد أكثر من هذا ! ؟ ولذلك عندما تشتد امرأة على زوجها ، قد يغضب ، ونقول له : يكفيك أن الله أحل لك منها ما حرمه على غيرك ، وأعطتك عرضها ، فحين تشتد عليك لا تغضب ، وتذكَّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " . { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] والميثاق هو : العهد يؤخذ بين اثنين ، ساعة سألت وليها : " زوجني " فقال لك : زوجتك ، ومفهوم أن كلمة الزواج هذه ستعطي أسرة جديدة ، وكل ميثاق بين خلق وخلق في غير العرض هو ميثاق عادي ، إلا الميثاق بين الرجل والمرأة التي يتزوجها فهذا هو الميثاق الغليظ ، أي غير اللين ، والله لم يصف به إلاَّ ميثاق النبيين فوصفه بأنه غليظ ، ووصف هذا الميثاق بأنه غليظ ، ففي هذه الآية { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 21 ] فهنا إفضاء وفي آية أخرى يكون كل من الزوجين لباساً وستراً للآخر { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ … } [ البقرة : 187 ] لهذا كان الميثاق غليظاً ، وهذا الميثاق الغليظ يحتم عليك إن تعثرت العشرة أن تتحملها وتعاملها بالمعروف ، وإن تعذرت وليس هناك فائدة من استدامتها فيصح أن تستبدلها ، فإن كنت قد أعطيتها قنطاراً إياك أن تأخذ منه شيئاً ، لماذا ؟ لأن ذلك هو ثمن الإفضاء ، وما دام هذا القنطار هو ثمن الإفضاء وقد تم ، فلا تأخذ منه شيئاً ، فالإفضاء ليس شائعاً في الزمن كي توزعه ، لا . والحق يقول : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] هنا يجب أن نفهم أن الحق حين يشرع فهو يشرع الحقوق ، ولكنه لا يمنع الفضل ، بدليل أنه قال : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] . إذن ففيه فرق بين الحق وما طاب لكم ، والأثر يحكي عن القاضي الذي قال لقومه : أنتم اخترتموني لأحكم في النزاع القائم بينكم فماذا تريدون مني ؟ ! أأحكم بالعدل أم بما هو خير من العدل ؟ فقالوا له : وهل يوجد خير من العدل ؟ قال : نعم ، الفضل . فالعدل : أن كل واحد يأخذ حقه ، والفضل : أن تتنازل عن حقك وهو يتنازل عن حقه ، وتنتهي المسألة ، إذن فالفضل أحسن من العدل ، والحق سبحانه وتعالى حين يشرع الحقوق يضع الضمانات ، ولكنه لا يمنع الفضل بين الناس : فيقول - جل شأنه - : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ … } [ البقرة : 237 ] . ويقول الحق في آية الدَّين : { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ … } [ البقرة : 282 ] . ويأمركم الحق أن توثقوا الدَّيْن … لأنكم لا تحمون مال الدائن فحسب بل تحمون المدين نفسه ، لأنه حين يعلم أن الدَّيْن موثق عليه ومكتوب عليه فلن ينكره ، لكن لو لم يكن مكتوباً فقد تُحدثه نفسه أن ينكره ، إذن فالحق يحمي الدائن والمدين من نفسه قال : { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ … } [ البقرة : 282 ] ، وقال بعدها : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } [ البقرة : 283 ] . فقد تقول لمَنْ يستدين منك : لا داعي لكتابة إيصال وصكٍّ بيني وبينك ، وهذه أريحية لا يمنعها الله فما دام قد أمن بعضكم بعضاً فليستح كل منكم وليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه . وما دام قد جعل للفضل مجالاً مع تسجيل الحقوق فلا تنسوا ذلك . فما بالنا بالميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة ، وغلظ الميثاق إنما يتأتى بما يتطلبه الميثاق ، ولا يوجد ميثاق أغلظ مما أخذه الله من النبيين ومما بين الرجل والمرأة لأنه تعرض لمسألة لا تباح من الزوجة لغير زوجها ، ولا من الزوج لغير زوجته . إن على الرجل أن يوفي حق المرأة ولا يصح أن ينقصها شيئاً إلا إذا تنازلت هي . فقد سبق أن قال الحق : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] . وما دامت النفس قد طابت ، إذن فالرضا بين الطرفين موجود ، وذلك استطراق أُنسي بين الرجل والمرأة . فالمهر حقها ، ولكن لا يجب أن يقبض بالفعل ، فهو في ذمة الزوج ، إن شاء أعطاه كله أو أخّره كله أو أعطى بعضه وأخر بعضه . ولكن حين تنفصل الزوجة بعد الدخول يكون لها الحق كاملاً في مهرها ، إن كان قد أخره كله فالواجب أن تأخذه ، أو تأخذ الباقي لها إن كان قد دفع جزءاً منه كمقدم صداق . ولكن حين تنتقل ملكية المهر إلى الزوجة يفتح الله باب الرضا والتراضي بين الرجل والمرأة فقال : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] فهو هبة تخرج عن تراضٍ . وذلك مما يؤكد دوام العشرة والألفة والمودة والرحمة بين الزوجين . وبعد ذلك يبقى حكم آخر . هَبّ أن الخلاف استعر بين الرجل والمرأة . حالة تكره هي وتحب أن تخرج منه لا جناح أن تفتدي منه نفسها ببعض المال لأنها كارهة ، وما دامت هي كارهة ، سيضطر هو إلى أن يبني بزوجة جديدة ، إذن فلا مانع أن تختلع المرأة منه بشيء تعطيه للزواج : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ … } [ البقرة : 229 ] . والحق سبحانه وتعالى أراد أن يعطينا الدليل على أن حق المرأة يجب أن يحفظ لها ، ولذلك جاء بأسلوب تناول مسألة أخذ الزوج لبعض مهر الزوجة في أسلوب التعجب : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] . فكأن { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ … } [ النساء : 21 ] هذه دليل على أنه لا يوجد وجه من وجوه الحق يبيح لك أن تأخذ منها مهرها ، فساعة يستفهم فيقول : " كيف " فهذا تعجب من أن تحدث هذه ، وقلنا : إن كل المواثيق بين اثنين لا تعطي إلا حقوقاً دون العرض ، ولكن ميثاق الزواج يعطي حقوقاً في العرض ، ومن هنا جاء غلظ الميثاق ، وكل عهد وميثاق بين اثنين قد ينصب إلى المال ، وقد ينصب إلى الخدمة ، وقد ينصب إلى أن تعقل عنه الدِّيَة ، وقد ينصب إلى أنك تعطية مثلاً المعونة ، هذه ألوان من المواثيق إلا مسألة العرض ، فمسألة العرض عهد خاص بين الزوجين ، ومن هنا جاء الميثاق الغليظ . وبعد ذلك يتناول الحق سبحانه وتعالى قضية يستديم بها طهر الأسرة وعفافها وكرامتها وعزتها ، ويبقى لأطراف الأسرة المحبة والمودة فلا يدخل شيء يقضي على هذه المحبة والمودة ، ويُدخل نزغ الشيطان فيها . قال الحق سبحانه : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ … } .