Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى خلق الكون وفيه أجناس ، وكل جنس يشمل أنواعاً أو نوعين ، وتحت كل نوع أفراد . فإذا ما رأيت جنساً من الأجناس انقسم إلى نوعين ، فاعلم أنهما يشتركان في مطلوب الجنس ، ثم يختلفان في مطلوب النوع ، ولو كانا متحدين لما انقسما إلى نوعين . كذلك في الأفراد . وإذا نظرنا إلى الجماد وجدنا الجماد جنساً عاماً ولكنه انقسم إلى عناصر مختلفة ، لكل عنصر من هذه العناصر مهمة مختلفة ، فمثلاً إذا أردنا إقامة بناء ، فهذا البناء يتطلب رملاً ، ويتطلب أسمنتاً ، ويتطلب آجُراً ، ويتطلب حديداً ، فجنس الجماد كله مشترك في إقامة البناء ، ولكن للأسمنت مهمة ، وللجبس مهمة ، وللرمل مهمة ، وللمرو - وهو الزلط - مهمة ، فلا تأخذ شيئاً في مهمة شيء آخر . وكذلك انقسم الإنسان إلى نوعين ، إلى ذكورة تتمثل في الرجال ، وإلى أنوثة تتمثل في النساء ، وبينهما قدر مشترك يجمعهما كجنس ، ثم بينهما اختلاف باختلاف نوعيهما . فلو أردت أن تضع نوعاً مكان نوع لما استطعت . إذن فمن العبث أن يخلق الله من جنس نوعين ، ثم تأتي لتقول : إن هذا النوع يجب أن يكون مثل هذا النوع . وأيضاً نعرف ذلك عن الزمن ، فالزمن ظرف للأحداث ، أي أن كل حدث لا بد له من زمن ، لكن لكل زمن حدث يناسبه . فالزمن وهو النهار ظرف للحدث في زمنه ، والليل أيضاً ظرف للحدث في زمنه . ولكن الليل حدثه السكون والراحة ، والنهار حدثه الحركة والنشاط . فإن أردت أن تعكس هذا مكان هذا أحلت وجمعت بين المتناقضين . لقد أوضحنا أن الله يلفتنا إلى شيء قد نختلف فيه بشيء قد اتفقنا عليه ، فيبين لك : هذا الذي تختلف فيه ردّه إلى المتفق عليه . فالزمن لا خلاف في أنك تجعل الليل سكناً ولباساً وراحة وهدوءاً ، والنهار للحركة . وكل الناس يصنعون ذلك . فالحق سبحانه وتعالى يوضح : كما جعل الزمن ظرفاً لحركة إلا أن حركة هذا تختلف عن حركة هذا ، وهل معنى ذلك أن الليل والنهار نقيضان أو ضدان أو متكاملان ؟ إنهما متكاملان لأن راحة الليل إنما جُعلت لتصح حركة النهار . فأنت تنام وترتاح لتستأنف نشاطاً جديداً . إذن فالليل هو الذي يعين النهار على مهمته ، ولو أن إنساناً استيقظ ليلة ثم جاء صباحاً لما استطاع أن يفعل شيئاً . إذن فما الذي أعان حركة النهار ؟ إنه سكون الليل ، فالحق سبحانه وتعالى بيّن : أن ذلك أمر متفق عليه بين الناس جميعاً متدينين وغير متدينين ، فإذا اختلفتم في أن الذكورة والأنوثة يجب أن يتحدا في العمل والحركة والنوع نقول لكم : لا ، هذا أمر متفق عليه في الزمن ، فخذوا ما اتفقتم عليه دليلاً على صحة ما اختلفتم فيه . ولذلك ضرب الله المثل فقال : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [ الليل : 1 ] . فعندما يغشى الليل يأتي السكون ، وقال الحق بعد ذلك : { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 2 ] { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 3 - 4 ] . أي أن لكل جنس مهمة . وهكذا نعرف أن الإنسان ينقسم إلى نوعين : الذكورة والأنوثة وفيهما عمل مشترك وخاصية مشتركة . وأن كلا منهما إنسان له كرامة الإنسان وله حرية العقيدة فلا يوجد رجل يرغم امرأة على عقيدة ، وضربنا المثل بامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون . إذن فالقدر المشترك هو حرية الاعتقاد ، فلا سلطان لنوع على نوع ، وكذلك حرية التعقل في المهمات ، وعرفنا كيف أن أم سلمة - رضي الله عنها - أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية إشارة أنقذت المسلمين من انقسام فظيع أمام حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفنا قصة بلقيس - ملكة سبأ - التي استطاعت أن تبرم أمراً تخلّى عنه الرجال ، إذن فمن الممكن أن يكون للمرأة تعقل وأن يكون للمرأة فكر ، وحتى قبل أن يوجد الإسلام كانت هناك نساء لهن أصالة الرأي ، وحكمة المشورة في نوع مهمتها . فمثلاً يحدثنا التاريخ أن ملك " كندة " سمع عن جمال امرأة اسمها " أم إياس " بنت عوف بن محل الشيباني ، فأراد أن يتزوجها ، فدعا امرأة من " كِندة " يقال لها : " عصام " وكانت ذات أدب وبيان وعقل ولسان ، وقال لها : اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف . أي أرسلها خاطبة . فلما ذهبت إلى والدة " أم إياس " واسمها " أمامة بنت الحارث " وأعلمتها بما جاءت له . وأرسلت الأم تستدعي الابنة من خيمتها ، وقالت لها : هذه خالتك جاءت لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه وخلق ونَاطقِِيها فيما استنطقتك به . فلما اختلت " عصام " بالبنت فعلت مثل ما أمرتها أمها . وكشفت للخاطبة " عصام " عن كل ما تريد من محاسنها ، فقالت الخاطبة كلمتها المشهورة : " ترك الخداع ما انكشف القناع " ، وصار هذا القول مثلاً ، أي أن القناع عندما يزول يرى الإنسان الحقيقة ، وعادت الخاطبة " عصام " إلى الملك فسألها : ما وراءك يا " عصام " إنه يسأل : أي خبر جئت به من عند " أم إياس " ؟ . فقالت : أبدى المخض عن الزبد . والمخض هو : هزّ الحليب في القربة ليفصل الزبد عن اللبن . وذلك يعني أن رحلتها قد جاءت بنتيجة . فقال لها : أخبريني . قالت : أخبرك حقاً وصدقاً . ووصفتها من شعرها إلى قدمها وصفاً أغرى الملك . فأرسل إلى أبيها وخطبها وزفت إليه . وفي ليلة الزفاف نرى الأم العاقلة توصي ابنتها في ميدان عملها ، في ميدان أمومتها ، في ميدان أنوثتها ، قالت الأم لابنتها : " أي بنية ، إن النصيحة لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك - أي أنها كأم تثق في أدب ابنتها ولا تحتاج في هذا الأمر لنصيحة - ولكنها معونة للغافل وتذكرة للعاقل . إنك غداً ستذهبين إلى بيت لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه . فكوني له أمةً يكن لك عبداً . واحفظي عني عشر خصال تكن لك ذخراً " . وانظروا إلى الخصال التي استنبطتها المرأة من ميزان رسالتها ، تستمر كلمات الأم : " أما الأولى والثانية : فالمعاشرة له بالسمع والطاعة والرضا بالقناعة ، وأما الثالثة والرابعة : فالتعهد لموقع عينه وموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح . والخامسة والسادسة : التفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه فإن تنغيص النوم مغضبة ، وحرارة الجوع ملهبة . أما السابعة والثامنة : فالتدبير لماله والإرعاء على حشمه وعلى عياله . وأما التاسعة والعاشرة : فألا تفشي له سرّاً ولا تعصي له أمراً فإنك إن أفشيت سرّه لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أوغرت صدره ، وإياك بعد ذلك والفرح إن كان ترحاً والحزن إن كان فرحاً " . فذهبت أم إياس بهذه النصائح إلى زوجها وأنجبت له البنين والبنات وسعدت معه وسعد معها . تلك نصيحة من أم تدل على منتهى التعقل ، ولكن في أي شيء ؟ . في ميدان مهمتها . إذن فالمرأة يمنحها الله ويعطيها أن تتعقل ولها ميدان ولا يأتي هذا التعقل غالباً إلا في ميدانها . لأن ميدان الرجل له حركة تتطلب الحزم ، وتتطلب الشدة ، والمرأة حركتها تتطلب العطف والحنان والأمثال في حياتنا اليومية تؤكد ذلك ، إن الرجل عندما يدخل بيته ويحب أن ينام ، قد يأتي له طفله صارخاً باكياً ، فيثور الأب على زوجته ويسب الولد ويسب أمه ، وقد يقول ألفاظاً مثل : " اكتمي أنفاسه إني أريد أن أستريح " . وتأخذ الأم طفلها وتذهب تربت على كتفه وتسكته ، ويستجيب لها الطفل ، فهذه مهمة الأم ، ولذلك نجد أن الأحداث التاريخية العصيبة تبرز الرجل في مكانه والمرأة في مكانها . فمثلاً : سيدنا إبراهيم عليه السلام أسكن هاجر وابنها إسماعيل بوادٍ غير ذي زرع ، قالت له : أتتركنا في مكان ليس فيه حتى الماء ، أهذا نزلته برأيك أم الله أنزلك فيه ؟ . قال لها : أنزلني الله هذا المكان . فقالت له : اذهب كما شئت فإنه لا يضيعنا . هذه المهمة للمرأة . هاجر مع طفل في مكان ليس فيه مقوم الحياة الأول وهو الماء ، فانظروا عطفها وحنانها ، ماذا فعلت ؟ لقد سعت بين الصفا والمروة ، صعدت الجبل إلى أن أنهكت قواها . إن الذي يذهب إلى الحج أو العمرة ويجرب الأشواط السبعة هذه يعرف أقصى ما يمكن أن تتحمله المرأة في سبيل ابنها لأن هذا موقف عطف وحنان ، ابنها يريد أن يشرب . وكأن الله قال لها : إنك قد سعيت ولكني سأجعل رزقك من حيث لا تحتسبين ، أنت سعيت بين الصفا والمروة ، والماء ينبع تحت قدمي ولدك . إذن فصدقت في قولها : إنه لا يضيعنا ، ولو أن سعيها جاء بالماء لظننا جميعاً أن السعي هو الذي يأتي بالماء ، ولكن اسع ولا تعتقد في السعي ، بل اعتقد في الرزّاق الأعلى ، تلك مسألة ظاهرة في أمنا هاجر . وحينما جاء موقف الابتلاء بالذبح ، اختفت هاجر من المسرح ، وجاء دور سيدنا إبراهيم بحزمه وعزمه ونبوته . ورأى في الرؤيا أنه يذبح ابنه ، أين أمه في هذا ؟ اختفت من المسرح لأن هذا موقف لا يتفق مع عواطفها وحنانها . إذن فكل واحد منهما له مهمة . والنجاح يكون على قدر هذه المهمة . ولذلك يقول الحق : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] فساعة ترى جنساً أخذ شيئاً وجنساً آخر أخذ شيئاً ، إياك أن تشغل بالك وتتمنى وتقول : " أريد هذه " ، ولكن اسأل الله من فضله لأن كلمة { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ … } [ النساء : 32 ] هي نهي عن أن تتمنى ما فضل الله به بعضاً على بعض ، ولذلك يقول : { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ … } [ النساء : 32 ] . وما دمت تسأل الله من فضله فهنا أمل أن يعطيك . وقد يرى البعض هنا مشكلة فيتساءل : كيف ينهانا الله عن أن نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض فقال : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] مع أن فضل الله من شأنه أن يفضل بعضنا على بعضٍ بدليل قوله : { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ … } [ الأنعام : 165 ] فضلاً على أنني أطمع في أن أسأل الله ليعطيني لأنه - سبحانه - ما أمرنا بالسؤال إلاّ ليعطينا . ونقول : لا ، التمني عادة أن تطلب شيئاً يستحيل أو لم تجر به العادة ، إنما السؤال والدعاء هو مجال أن تأتي إلى شيء تستطيع الحصول عليه ، فأوضح : لا تذهب إلى منطقة التمني ، ولذلك ضربوا المثل للتمني ببيت الشاعر : @ ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب @@ تمنّى الشاعر أن يعود الشباب يوماً فهل هذا يتأتى ؟ إنه لا يتأتى . أو أن يقول قائل : ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ، هل يمكن أن يحدث ذلك ؟ لا . ولكن هذا القول يدل على أن هذا الشيء محبوب وإن كان لم تجر به العادة ، أو هو مستحيل ، إذن فالسؤال يجب أن يكون في حدود الممكن بالنسبة لك . والحق يوضح : لا تنظروا إلى ما فضل الله به بعضكم على بعض . وما دام الله قد فضل بعضاً على بعض فليسأل الإنسان لا في منطقة ما فضل الله غيره عليه ويطلبه لنفسه ويسلبه من سواه ، ولكن في منطقة أن توفق في إبراز ما فضلك الله به ولذلك نجد الحق في آيات التفضيل يقول : { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ … } [ النحل : 71 ] . وما هو الرزق ؟ هل هو نقود فقط ؟ لا ، بل الرزق هو كل ما ينتفع به ، فالحلم رزق ، والعلم رزق ، والشجاعة رزق ، كل هذا رزق ، وقوله الحق : { مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] يجعلنا نتساءل : مَنْ هو المفضل ومَنْ هو المفضل عليه ؟ لأنه قال : { بَعْضَكُمْ … } [ النساء : 32 ] . لم يبينها لنا ، إذن فبعض مفضل وبعض مفضل عليه . وسؤال آخر : وأي بعض مفضل وأي بعض مفضل عليه ؟ إن كل إنسان هو فاضل في شيء ومفضول عليه في شيء آخر ، فإنسان يأخذ درجة الكمال في ناحية ، وإنسان يفتقد أدنى درجة في تلك الناحية ، لكنه يملك موهبة أخرى قد تكون كامنة ومكتومة . وهذا يعني التكامل في المواهب ، وهذا التكامل هو أسنان الحركة في المجتمع . لننتبه إلى التروس ، نحن نجد الترس الزائد يدخل في الترس الأقل ، فتدور الحركة ، لكن إذا وضعنا ترساً زائداً مقابل ترس زائد مثله فلن تحدث الحركة . إذن فلابد أن يكون متميزاً في شيء والآخر متميزاً في شيء آخر فيحدث التكامل بينهما ، ومثل ذلك قلنا : الليل والنهار ، الليل يعينني على حركة النهار ، وقلنا : إن السيف في يد الفارس يضرب به ويقتل ، ولو لم يسنّه خبير في الحدادة ويشحذه ويصقله لما أدى السيف مهمته ، وقد لا يستطيع هذا الخبير في صقل السيوف الذهاب للمعركة ، وقد يخاف أن يضرب بالسيف ، لكن له فضل مثل فضل المحارب بالسيف . إن كل واحد له مهمة يؤديها ، والأقدار تعطي الناس مواهبهم المتكاملة وليست المتكررة المتعاندة ، وما دامت المواهب متكاملة فلا أحسد مَنْ تفوّق عليّ في مجال ما لأنني أحتاج إليه ، وهو لا يحسدني إن تفوقت عليه في موهبة أو عمل لأنه يحتاج إلي ، إذن فأنا أريده أن يتفوق ، وهو يريدني أن أتفوق ، وذلك مما يحبب الناس في نعم ومواهب الناس ، فأنا أحب النعمة التي وهبها الله للآخر ، وهو يحب النعمة والموهبة التي عندي . مثال ذلك عندما نجد رجلاً موهوبا في تفصيل الملابس ويحيك أجود الجلابيب فالكل يفرح به ، وهذا الرجل يحتاج إلى نجار موهوب ليصنع له باباً جيداً لدكانه ، ومن مصلحة الاثنين أن تكون كل نعمة عند واحد محمودة ، ولذلك سمانا الله " بعضاً " و " بعضاً " ويتكون الكل من بعض وبعض ، فأنت موهوب في بعض الأمور ولا تؤدي كل الأمور أبداً ، ولكن بضميمة البعض الآخر نملك جميعاً مواهب بعضنا بعضاً . ويتابع الحق : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ … } [ النساء : 32 ] فمهمة النجاح للرجل أو المرأة هو أن يكون كل منهما صالحاً ومؤدياً للمهمة التي خُلق من أجلها ، بعد ذلك يكون حساب الثواب والعقاب وكل واحد على قدر تكليفه . فالثواب والعقاب يأتي على مقدار ما يقوم كل مخلوق مما كلف به . والمثال على اختلاف مهمة الرجل عن مهمة المرأة ، يتجلى في أننا نجد الرجل عندما تغضب امرأته أو تمرض ، ويكون عنده ولد رضيع ، فهل يستطيع هو أن يرضع الطفل ؟ طبعاً لا لأن لكل واحد مهمة فالعاقل هو مَنْ يحترم قدر الله في خلقه ، ويحترم مواهب الله حين أعطاها ، وهو يسأل الله من فضله ، أي مما فضله به ليعطي له البركة في مقامه . وحين يقول الحق : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ … } [ النساء : 32 ] نلحظ أن هذه تساوي تلك تماماً . { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [ النساء : 32 ] ومن واسع علمه سبحانه أنه وزع المواهب في خلقه حتى يتكامل المجتمع ولا يتكرر لأن تكرار المجتمع هو الذي يولد الشقاق ، أما تكامله فيولد الوفاق ، وسبب نزول الآية { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] أن النساء قلن : إننا لم يكتب علينا الجهاد وأعطانا ربنا نصف الرجل من الميراث ، وقد أوضح الحق من قبل للمرأة أنها أخذت نصف الرجل لأنها محسوبة على غيرها ولن تصرف وتنفق من دخلها على نفسها ، بل سيصرف الرجل وينفق عليها ، والمسألة بذلك تكون عادلة . وكذلك قال الرجال : ما دام الله قد فضلنا في الميراث ، وأعطانا ضعف نصيب المرأة فلعله يفضلنا في الآخرة ويعطينا ضعف ثوابها ، فيصنع الرجل العمل الواحد ويريد الضِّعف ! . وانظر لذكاء المرأة ، حينما قالت : ما دام ربنا أعطانا نصف ميراثكم فلماذا لا يعطينا نصف العقوبة إذن ؟ فأوضح لهم الله : اهدأوا { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] أي أن على كل واحد أن يرضى بما قسمه الله له . وبعد ذلك يقول الحق : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ … } .