Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا … } [ النساء : 35 ] يعني أن الشقاق لم يقع بعد ، إنما تخافون أن يقع الشقاق ، وما هو " الشقاق " ؟ الشقاق مادته من الشق ، وشق : أي أبعد شيئاً عن شيء ، شققت اللوح : أي أبعدت نصفيه عن بعضهما ، إذن فكلمة { شِقَاقَ بَيْنِهِمَا … } [ النساء : 35 ] تدل على أنهما التحما بالزواج وصارا شيئاً واحداً ، فأي شيء يبعد بين الاثنين يكون " شقاقاً " إذ بالزواج والمعاشرة يكون الرجل قد التحم بزوجه هذا ما قاله الله : { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] . ويتأكد هذا المعنى في آية أخرى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ … } [ البقرة : 187 ] . وهذا يعني أن المرأة مظروفة في الرجل والرجل مظروف فيها . فالرجل ساتر عليها وهي ساترة عليه ، فإذا تعدّاهما الأمر ، يقول الحق : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا … } [ النساء : 35 ] مَنْ الذين يخافون ؟ ، أهو وليّ الأمر أم القرابة القريبة من أولياء أمورها وأموره ؟ أي الناس الذين يهمهم هذه المسألة . { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ … } [ النساء : 35 ] إنهم البيئة والمجال العائلي ، إذن فلا ندع المسائل إلى أن يحدث الشقاق ، كأن الإسلام والقرآن ينبهنا إلى أن كل أناس في محيط الأسرة يجب أن يكونوا يقظين إلى الحالات النفسية التي تعترض هذه الأسرة ، سواء أكان أباً أم أخاً أم قريباً عليه أن يكون متنبهاً لأحوال الأسرة ولا يترك الأمور حتى يحدث الشقاق بدليل أنه قال : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا … } [ النساء : 35 ] ، فالشقاق لم يحدث ، ويجب ألا تترك المسألة إلى أن يحدث الشقاق ، { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ … } [ النساء : 35 ] وهذا القول هو لوليّ الأمر العام أيضاً إذا كانت عيونه يقظة إلى أنه يشرف على علاقات كل البيوت ، ولكن هذا أمر غير وارد في ضوء مسئوليات ولي الأمر في العصر الحديث . إذن فلا بد أن الذي سيتيسر له تطبيق هذا الأمر هم البارزون من الأهل هنا وهناك ، وعلى كل من لهم وجاهة في الأسرة أن يلاحظوا الخط البياني للأسرة ، يقولون : نرى كذا وكذا . ونأخذ حَكَماً من هنا وحكماً من هناك وننظر المسألة التي ستؤدي إلى عاصفة قبل أن تحدث العاصفة فالمصلحة انتقلت من الزوجين إلى واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة ، فهؤلاء ليس بينهما مسألة ظاهرة بأدلتها ، ولم تتبلور المشكلة بعد ، وليس في صدر أي منهما حُكْمٌ مسبق ، ويجوز أن يكون بين الزوجين أشياء ، إنما الحكَم من أهل الزوج والحكَم من أهل الزوجة ليس في صدر أي منهما شيء ، وما دام الاثنان ستوكل إليهما مهمة الحكم . فلا بد أن يتفقا على ما يحدث بحيث إذا رأى الاثنان أنه لا صلح إلا بأن تطلق ، فهما يحكمان بالطلاق ، والناس قد تفهم أن الحكم هم أناس يُصْلِحُون بين الزوجين فإن لم يعجبهم الحكم بقي الزوجان على الشقاق ، لا ، فنحن نختار حكماً من هنا وحكماً من هناك . إن ما يقوله الحكمان لابد أن ننفذه ، فقد حصرت هذه المسألة في الحكمين فقال : { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ … } [ النساء : 35 ] فكأن المهمة الأساسية هي الإصلاح وعلى الحكمين أن يدخلا بنية الإصلاح ، فإن لم يوفق الله بينهما فكأن الحكمين قد دخلا بألا يصلحا . إن على كل حكم أن يخاف على نفسه ويحاول أن يخلص في سبيل الوصول إلى الإصلاح لأنه إن لم يخلص فستنتقل المسألة إلى فضيحة له . الذي خلق الجميع : الزوج والزوجة والحكم من أهل الزوج والحكم من أهل الزوجة قال : { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ … } [ النساء : 35 ] فليذهب الاثنان تحت هذه القضية ، ويصرّا بإخلاص على التوفيق بينهما لأن الله حين يطلق قضية كونية ، فكل واحد يسوس نفسه وحركته في دائرة هذه القضية . وحين يطلق الله قضية عامة فهو العليم الخبير ، ومثال ذلك قوله : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . إنه سبحانه قال ذلك ، فليحرص كل جندي على أن يكون جندياً لله لأنه إن انهزم فسنقول له : أنت لم تكن جندياً لله ، فيخاف من هذه . إذن فوضع القضية الكونية في إطار عقدي كي يجند الإنسان كل ملكاته في إنجاح المهمة ، وعندما يقول الله : { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ … } [ النساء : 35 ] ، فإياك أن تغتر بحزم الحكمين ، وبذكاء الحكمين ، فهذه أسباب . ونؤكد دائماً : إياك أن تغتر بالأسباب لأن كل شيء من المسبب الأعلى ، ولنلحظ دقة القول الحكيم : { يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ … } [ النساء : 35 ] فسبحانه لم يقل : إن يريدا إصلاحاً يوفقا بينهما . بل احتفظ سبحانه لنفسه بفضل التوفيق بين الزوجين . ويذيل سبحانه الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [ النساء : 35 ] أي بأحوال الزوج ، وبأحوال الزوجة ، وبأحوال الحكم من أهله ، وبأحوال الحكم من أهلها ، فهم محوطون بعلمه . وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية فربنا عليم وخبير . وما الفرق بين " عليم " و " خبير " ؟ فالعلم قد تأخذه من علم غيرك إنما الخبرة فهي لذاتك . وبعد أن تكلم الحق على ما سبق من الأحكام في الزواج وفي المحرمات ، وأخذنا من مقابلها المحللات ، وتكلم عمن لا يستطيع طولاً وتكلم عن المال ، وحذرنا أن نأكله بالباطل ، وتكلم عن الحال بين الرجل والمرأة ، وبعد ذلك لفتنا الحق ووجهنا ونبهنا إلى المنهج الأعلى وهو قوله سبحانه : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ … } .