Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 34-34)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] ، أول ما نلتفت إليه أن بعضهم لم يفسروا الآية إلاّ على الرجل وزوجته على الرغم من أنَّ الآية تكلمت عن مطلق رجال ومطلق نساء ، فليست الآية مقصورة على الرجل وزوجه ، فالأب قوام على البنات ، والأخ على أخواته . ولنفهم أولاً { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] وماذا تعني ؟ وننظر أهذه تعطي النساء التفوق والمركز أم تعطيهن التعب . والحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم قضية كونية ، فهو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه وأوضح القضية الإيمانية { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 34 ] والذي يخالف فيها عليه أن يوضح - إن وجد - ما يؤدي إلى المخالفة ، والمرأة التي تخاف من هذه الآية ، نجد أنها لو لم ترزق بولد ذكر لغضبت ، وإذا سألناها : لماذا إذن ؟ تقول : أريد ابناً ليحمينا . كيف وأنت تعارضين هذا الأمر ؟ ولنفهم ما معنى " قوَّام " ، القوَّام هو المبالغ في القيام . وجاء الحق هنا بالقيام الذي فيه تعب ، وعندما تقول : فلان يقوم على القوم أي لا يرتاح أبداً . إذن فلماذا تأخذ { قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] على أنه كتم أنفاس ؟ لماذا لا تأخذها على أنه سعي في مصالحهن ؟ فالرجل مكلف بمهمة القيام على النساء ، أي أن يقوم بأداء ما يصلح الأمر . ونجد أن الحق جاء بكلمة " الرجال " على عمومها ، وكلمة " النساء " على عمومها ، وشيء واحد تكلم فيه بعد ذلك في قوله : { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 34 ] فما وجه التفضيل ؟ إن وجه التفضيل أن الرجل له الكدح وله الضرب في الأرض وله السعي على المعاش ، وذلك حتى يكفل للمرأة سبل الحياة اللائقة عندما يقوم برعايتها . وفي قصة آدم عليه السلام لنا المثل ، حين حذر الحق سبحانه آدم وزوجته من الشيطان ، إبليس الذي دُعي إلى السجود مع الملائكة لآدم فأبى ، وبذلك عرفنا العداوة المسبقة من إبليس لآدم ، وحيثيتها : { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] . وأوضح الحق لآدم : إذا هبطت إلى الأرض فاذكر هذه العداوة . وأعلم أنه لن يتركك ، وسيظل يغويك ويغريك لأنه لا يريد أن يكون عاصياً بمفرده ، بل يريد أن يضم إليه آخرين من الجنس الذي أبى أن يسجد هو لأبيهم آدم يريد أن يغويهم ، كما حاول إغواء آدم : { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ … } [ طه : 117 ] . وهل قال الحق بعدها : فتشقيا أو فتشقى ؟ قال سبحانه : { فَتَشْقَىٰ } [ طه : 117 ] . فساعة جاء الشقاء في الأرض والكفاح ستر المرأة وكان الخطاب للرجل . وهذا يدل على أن القوامة تحتاج إلى تعب ، وإلى جهد ، وإلى سعي ، وهذه المهمة تكون للرجل . ونلحظ أنه ساعة التفضيل قال : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 34 ] لقد جاء بـ { بَعْضَهُمْ … } [ النساء : 34 ] لأنه ساعة فضل الرجل لأنه قوّام فضل المرأة أيضاً لشيء آخر وهو كونها السكن حين يستريح عندها الرجل وتقوم بمهمتها . ثم تأتي حيثية القوامة : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … } [ النساء : 34 ] . والمال يأتي نتيجة الحركة ونتيجة التعب ، فالذي يتعب نقول له : أنت قوّام ، إذن فالمرأة يجب أن تفرح بذلك لأنه سبحانه أعطى المشقة وأعطى التعب للجنس المؤهل لذلك . ولكن مهمتها وإن كانت مهمة عظيمة إلا أنها تتناسب والخصلة المطلوبة أولاً فيها : الرقة والحنان والعطف والوداعة . فلم يأت بمثل هذا ناحية الرجل لأن الكسب لا يريد هذه الأمور ، بل يحتاج إلى القوة والعزم والشدة ، فقول الله : { قَوَّامُونَ … } [ النساء : 34 ] يعني مبالغين في القيام على أمور النساء . ويوضح للنساء : لا تذكرن فقط أنها حكاية زوج وزوجة . قدرن أن القيام يكون على أمر البنات والأخوات والأمهات . فلا يصح أن تأخذ " قوام " على أنها السيطرة لأن مهمة القيام جاءت للرجل بمشقة ، وهي مهمة صعبة عليه أن يبالغ في القيام على أمر مَنْ يتولى شئونهن . { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … } [ النساء : 34 ] إذا كان الزواج متعة للأنثى وللذكر . والاثنان يستمتعان ويريدان استبقاء النوع في الذرية ، فما دامت المتعة مشتركة وطلب الذرية أيضاً مشتركاً فالتبعات التي تترتب على ذلك لم تقع على كل منهما ، ولكنها جاءت على الرجل فقط … صداقاً ونفقة حتى ولو كانت المرأة غنية لا يفرض عليها الشرع حتى أن تقرض زوجها . إذا فقوامة الرجال جاءت للنساء براحة ومنعت عنهن المتاعب . فلماذا تحزن المرأة منها ؟ فـ { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] أي قائمون إقامة دائمة لأنه لا يقال قوّام لمطلق قائم ، فالقائم يؤدي مهمة لمرة واحدة ، لكن " قوّام " تعني أنه مستمر في القوامة . { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … } [ النساء : 34 ] وما دمنا نكدح ونتعب للمرأة فلابد أن تكون للمرأة مهمة توازن ذلك وهي أن تكون سكناً له ، وهذه فيها تفضيل أيضاً . لقد قدم الحق سبحانه وتعالى في صدر الآية مقدمة بحكم يجب أن يُلتزم به لأنه حكم الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه ، فأوضح القضية الإيمانية : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] ثم جاء بالحيثيات فقال : { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … } [ النساء : 34 ] ويتابع الحق : { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ … } [ النساء : 34 ] والمرأة الصالحة هي المرأة التي استقامت على المنهج الذي وضعه لها من خلقها في نوعها ، فما دامت هي صالحة تكون قانتة ، والقنوت هو دوام الطاعة لله ، ومنه قنوت الفجر الذي نقنته ، وندعو ونقف مدة أطول في الصلاة التي فيها قنوت . والمرأة القانتة خاضعة لله ، إذن فحين تكون خاضعة لله تلتزم منهج الله وأمره فيما حكم به من أن الرجال قوامون على النساء ، { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ … } [ النساء : 34 ] وحافظات للغيب تدل على سلامة العفة . فالمرأة حين يغيب عنها الراعي لها والحامي لعرضها كالأب بالنسبة للبنت والابن بالنسبة للأم ، والزوج بالنسبة للزوجة ، فكل امرأة في ولاية أحد لابد أن تحفظ غيبته ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما حدد المرأة الصالحة قال في حديث عن الدنيا : " الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " . لقد وضع صلى الله عليه وسلم قانوناً للمرأة الصالحة يقول فيه : " خير النساء التي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره " . وأي شيء يحتاج الرجل إليه أحسن من ذلك . وكلمة " إن نظرت إليها سرّتك " إياك أن توجهها ناحية الجمال فقط ، جمال المبنى ، لا ، فساعة تراها اجمع كل صفات الخير فيها ولا تأخذ صفة ولا تترك صفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن نأخذ صفة في المرأة ونترك صفة أخرى ، بل لابد أن نأخذها في مجموع صفاتها فقال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " . المطلوب ألا تنظر إلى زاوية واحدة في الجمال ، بل انظر إلى كل الزوايا ، فلو نظرت إلى الزاوية التي تشغل الناس ، الزاوية الجمالية ، لوجدتها أقل الزوايا بالنسبة إلى تكوين المرأة لأن عمر هذه المسألة " شهر عسل " - كما يقولون - وتنتهي ، ثم بعد ذلك تبدو المقومات الأخرى . فإن دخلت على مقوم واحد وهي أن تكون جميلة فأنت تخدع نفسك ، وتظن أنك تريدها سيدة صالون ! ونقول لك : هذه الصفة أمدها بسيط في عمر الزمن ، لكن ما يبقى لك هو أن تكون أمينة ، أن تكون مخلصة ، أن تكون مدبرة ولذلك فالفشل ينشأ في الأسرة من أن الرجال يدخلون على الزواج بمقياس واحد هو مقياس جمال البنية ، وهذا المقياس الواحد عمره قصير ، يذهب بعد فترة وتهدأ شِرَّته . وبعد ذلك تستيقظ عيون الرجل لتتطلع إلى نواحي الجمال الأخرى ، فلا يجدها . فيحدث الفشل لذلك لا بد أن تأخذ مجموعة الزوايا كلها . إياك أن تأخذ زاوية واحدة ، وخير الزوايا أن يكون لها دين . وكذلك المقياس بالنسبة لقبول المرأة للزوج ، أيضاً خير الزوايا أن يكون له دين ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أتاكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . وعندما استشار رجل سيدنا الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : زَوّجها من ذي الدين ، إن أحبها أكرمها ، وإن كرهها لم يظلمها . إذن فالدين يرشدنا : لابد أن ننظر إلى المسألة التي سيكون لها عمر طويل في الحياة الممتدة ، وبعد ذلك إذا أرادت أن تكون ناجحه فعليها أن ترى إطار نوعيتها وتنبغ فيه ، ومن الممكن إن كان عندها وقت أن توسع دائرة مهمتها في بيتها ، فإذا كان عندها أولاد فعليها أن تتعلم الحياكة وتقوم بتفصيل وحياكة ملابسها وملابس أولادها فتوفر النقود ، أو تتعلم التطريز كي لا تدفع أجرة ، أو تتعلم التمريض حتى إذا مرض ولدها استطاعت أن تمرضه وترعاه ، أن تتعلم كي تغني عن مدرس خصوصي يأخذ نقوداً من دخل الأسرة ، وإن بقي عندها وقت فلتتعلم السباكة فتوفر أجرة السباك إذا فسد صنبور ماء ، أو تتعلم إصلاح الكهرباء لتصلح مفتاح الإضاءة . وتستطيع المرأة أن تقوم بأي عمل وهي جالسة في بيتها وتوفر دخلاً لتقابل به المهام التي لا تقدر أن تفعلها ، والمرأة تكون من " حافظات الغيب " ليس بارتجالٍ من عندها أو باختيار ، بل بالمنهج الذي وضعه الله لحفظ الغيب ؟ . فما المنهج الذي وضعه الله لحفظ الغيب ؟ تحافظ على عرضها وعلى مال زوجها في غيبته ، فتنظر المنافذ التي تأتي منها الفتنة وتمتنع عنها ، لا تخرج إلى الشوارع إلا لحاجة ماسة أو ضرورة كي لا ترى أحداً يفتنها أو يفتن بها لأن هذه هي مقدمات الحفظ ، ولا تذهب في زحمة الحياة ، وبعد ذلك نقول لها : " حافظي على الغيب " بل عليها أن تنظر ما بيّنه الله في ذلك . فإن اضطررت أن تخرجي فلتغضي البصر ولذلك قال سبحانه : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا … } [ النور : 31 ] . فالمرأة إن لم تغض النظر يحدث التفات عاطفي لأن كل شعور في الإنسان له ثلاث مراحل : مرحلة أن يدرك ، ومرحلة أن يجد في نفسه ، ومرحلة أن ينزع ، أي يحول الأمر إلى سلوك ، ونضرب دائماً المثل بالوردة . وأنت تسير ترى وردة في بستان وبمجرد رؤيتك لها فهذا إدراك ، وإذا أعجبتك الوردة وعشقتها وأحببتها فهذا اسمه وجدان . وإذا اتجهت لتقطفها فهذه عملية نزوعية ، فكم مرحلة ؟ ثلاث مراحل : إدراك ، فوجدان . فنزوع . ومتى يتدخل الشرع ؟ الشرع يتدخل في عملية النزوع دائماً . يقول لك : أنت نظرت الوردة ولم نعترض على ذلك ، أحببتها وأعجبتك فلم نقل لك شيئاً ، لكن ساعة جئت لتمدّ يدك لتأخذها قلنا لك : لا ، الوردة ليست لك . إذن فأنت حرّ في أن تدرك ، وحرّ في أن تجد في نفسك ، إنما ساعة تنزع نقول لك : لا ، هي ليست لك ، وإن أعجبتك فازرع لك وردة في البيت ، أو استأذن صاحبها مثلاً . إذن فالتشريع يتدخل في منطقة النزوع ، إلا في أمر المرأة فالتشريع يتدخل من أول الإدراك لأن الذي خلقنا علم أننا إن أدركنا جمالاً ، نظرنا له ، وستتولد عندنا مواجيد بالنسبة للأشياء التي نراها ونشتهيها ، وساعة يوجد إدراك واشتهاء ، لا يمكن أن ينفصل هذا عن النزوع لأنك - كرجل - مركب تركيباً كيميائياً بحيث إذ أدركت جمالاً ثم حدث لك وجدان واشتهاء ، فالاشتهاء لا يهدأ إلا بنزوع ، فيبيّن لك الشرع : أنا رحمتك من أول الأمر ، وتدخلت من أول المسألة . وكل شيء أتدخل فيه عند النزوع إلا المرأة فقد تدخلت فيها من أول الإدراك لذلك أمر الحق الرجل أن يغض البصر ، وكذلك أمر المرأة . لماذا ؟ لأنك إن أدركت فستجد ، وإن وجدت فستحاول أن تنزع ونزوعك سيكون عربدة في أعراض الناس ، وإن لم تنزع فسيبقى عندك كبت لذلك حسم الحق المسألة من أولها وقال : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ … } [ النور : 30 - 31 ] . فامنعوا المسألة من أول مراحلها لماذا ؟ لأنني عندما أرى وردة ، ثم قالوا لي : هي ليست لك فلا تقطفها ، فلا يحدث عندي ارتباك في مادتي ، لكن عندما يرى الرجل امرأة جميلة وتدخل في وجدانك فسيحدث عنده النزوع لأن له أجهزة مخصوصة تنفعل لهذا الجمال ، ولذلك يوضح لك الحق : أنا خالقك وسأتدخل في المسألة من أول الأمر ، فقوله : { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ … } [ النساء : 34 ] أي بالمنهج الذي وضعه الله للحفظ : ألا أعرض نفسي إلى إدراك فينشأ عنه وجدان ، وبعد ذلك أفكر في النزوع ، فإن نزعت أفسدت ، وإن لم تنزع تعقدت ، فيأتي شرّ من ذلك ، هذا معنى : { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ … } [ النساء : 34 ] ، يعني انظروا إلى المنهج الذي وضعه الله لأن تحفظ المرأة غيبة زوجها ، وهي تحفظه ليس بمنهج من عندها . بل المنهج الذي وضعه خالقها وخالقه . وها هو ذا الحق سبحانه وتعالى حينما يربّى من عبده حاسة اليقظة قال : { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ … } فالنشوز لم يحدث بل مخافة أن يحدث ، فاليقظة تقتضي الترقب من أول الأمر ، لا تترك المسألة حتى يحدث النشوز ، و " النشوز " من " نشز " أي ارتفع في المكان . ومنه " النشز " وهو المكان المرتفع ، وما دام الحق قد قال : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ … } [ النساء : 34 ] فالمعنى هنا : مَنْ تريد أن تتعالى وتوضع في مكانة عالية ؟ ولذلك فالنشاز حتى في النغم هو : صوت خارج عن قواعد النغم فيقولون : هذه النغمة نشاز ، أي خرجت عن قاعدة النغمة التي سبقتها . وكذلك المرأة المفروض فيها أنها تكون متطامنة ، فإن شعرت أن في بالها أن تتعالى فإياك أن تتركها إلى أن تصعد إلى الربوة وترتفع . بل عليك التصرف من أول ما تشعر ببوادر النشوز فتمنعه ، ومعنى قوله : { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ . . } [ النساء : 34 ] يعني أن النشوز أمر متخوف منه ومتوقع ولم يحدث بعد . وكيف يكون العلاج ؟ يقول الحق : { فَعِظُوهُنَّ … } [ النساء : 34 ] أي ساعة تراها تنوي هذا فعظها ، والوعظ : النصح بالرقة والرفق ، قالوا في النصح بالرقة : أن تنتهز فرصة انسجام المرأة معك ، وتنصحها في الظرف المناسب لكي يكون الوعظ والإرشاد مقبولاً فلا تأت لإنسان وتعظه إلا وقلبه متعلق بك . ولنفترض أن ابناً طلب من والده طلباً ، ولم يحضره الأب ، ثم جاءت الأم لتشكو للأب سلوك الابن ، فيحاول الأب إحضار الطلب الذي تمناه الابن ، ويقول له : - تعال هنا يا بني ، إن الله قد وفقني أن أحضر لك ما طلبت . وفي لحظة فرح الابن بالحصول على ما تمنى ، يقول له الأب : لو تذكرت ما قالته لي أمك من سلوكك الرديء لما أحضرته لك . ولو سب الأب ابنه في هذه اللحظة فإن الابن يضحك . لماذا ؟ لأن الأب أعطى الابن الدرس والعظة في وقت ارتباط قلبه وعاطفته به . ولكن نحن نفعل غير ذلك . فالواحد يأتي للولد في الوقت الذي يكون هناك نفور بينهما ، ويحاول أن يعظه لذلك لا تنفع الموعظة ، وإذا أردنا أن تنفع الموعظة يجب أن نغير من أنفسنا ، وأن ننتهز فرصة التصاق عواطف مَنْ نرغب في وعظه فنأتي ونعطي العظة . هكذا { فَعِظُوهُنَّ … } [ النساء : 34 ] هذه معناها : برفق وبلطف ، ومن الرفق واللطف أن تختار وقت العظة ، وتعرف وقت العظة عندما يكون هناك انسجام ، فإن لم تنفع هذه العظة ورأيت الأمر داخلاً إلى ناحية الربوة والنشوز فانتبه . والمرأة عادة تَدِل على الرجل بما يعرف فيه من إقباله عليها . وقد تصبر المرأة على الرجل أكثر من صبر الرجل عليها لأن تكوين الرجل له جهاز لا يهدأ إلا أن يفعل . لكن المرأة تستثار ببطء ، فعندما تنفعل أجهزة الرجل فهو لا يقدر أن يصبر ، لكن المرأة لا تنفعل ولا تستثار بسرعة ، فأنت ساعة ترى هذه الحكاية ، وهي تعرفك أنك رجل تحب نتائج العواطف والاسترسال فأعط لها درساً في هذه الناحية ، اهجرها في المضجع . وانظر إلى الدقة ، لا تهجرها في البيت ، لا تهجرها في الحجرة ، بل تنام في جانب وهي في جانب آخر ، حتى لا تفضح ما بينكما من غضب ، اهجرها في المضجع لأنك إن هجرتها وكل البيت علم أنك تنام في حجرة مستقلة أو تركت البيت وهربت ، فأنت تثير فيها غريزة العناد ، لكن عندما تهجرها في المضجع فذلك أمرٍ يكون بينك وبينها فقط ، وسيأتيها ظرف عاطفي فتتغاضى ، وسيأتيك أنت أيضاً ظرف عاطفي فتتغاضى ، وقد يتمنى كل منكما أن يصالح الآخر . إذن فقوله : { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ … } [ النساء : 34 ] كأنك تقول لها : إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي . ويتساءل بعضهم : وماذا يعني بأن يهجرها في المضاجع ؟ . نقول : ما دام المضجع واحداً فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة ، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئاً لأن أي خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهي إلى أقرب وقت ، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلاً ، يرجع ويتلمسها ، وهي أيضاً تتلمسه . والذي يفسد البيوت أن عناصر من الخارج تتدخل ، وهذه العناصر تورث في المرأة عناداً وفي الرجل عناداً لذلك لا يصح أن يفضح الرجل ما بينه وبين المرأة عند الأم والأب والأخ ، ولنجعل الخلاف دائماً محصوراً بين الرجل والمرأة فقط . فهناك أمر بينهما سيلجئهما إلى أن يتسامحا معاً . { فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ … } [ النساء : 34 ] وقالوا : إن الضرب بشرط ألا يسيل دماً ولا يكسر عظماً ، أي يكون ضرباً خفيفاً يدل على عدم الرضا ولذلك فبعض العلماء قالوا : يضربها بالسواك . وعلمنا ربنا هذا الأمر في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة ، قال له ربنا : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ … } [ ص : 44 ] . والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود ، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت . فالمرأة عندما تجد الضرب مشوباً بحنان الضارب فهي تطيع من نفسها ، وعلى كل حال فإياكم أن تفهموا أن الذي خلقنا يشرع حكماً تأباه العواطف ، إنما يأباه كبرياء العواطف ، فالذي شرع وقال هذا لابد أن يكون هكذا . { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ … } [ النساء : 34 ] أي ضرباً غير مبرح ، ومعنى : غير مبرح أي ألا يسيل دماً أو يكسر عظماً ويتابع الحق : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً … } [ النساء : 34 ] . فالمسألة ليست استدلالاً . بل إصلاحاً وتقويماً ، وأنت لك الظاهر من أمرها ، إياك أن تقول : إنها تطيعني لكن قلبها ليس معي وتدخل في دوامة الغيب ، نقول لك : ليس لك شأن لأن المحكوم عليه في كل التصرفات هو ظاهر الأحداث . أما باطن الأحداث فليس لك به شأن ما دام الحق قال : { أَطَعْنَكُمْ … } [ النساء : 34 ] فظاهر الحدث إذن أن المسألة انتهت ولا نشوز تخافه ، وأنت إن بغيت عليها سبيلاً بعد أن أطاعتك ، كنت قوياً عليها فيجب أن تتنبه إلى أن الذي أحلها لك بكلمة هو أقوى عليك منك عليها وهذا تهديد من الله . ومعنى التهديد من الله لنا أنه أوضح : هذه صنعتي ، وأنا الذي جعلتك تأخذها بكلمتيّ " زوجني … زوجتك " ، وما دمت قد ملكتها بكلمة مني فلا تتعال عليها لأنني كما حميت حقك أحمي حقها . فلا أحد منكما أولى بي من الآخر ، لأنكم صنعتي وأنا أريد أن تستقر الأمور ، وبعد هذا الخطاب للأزواج يأتي خطاب جديد في قول الحق من بعد ذلك : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ … } .