Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ … } [ النساء : 39 ] وأي تبعه ومشقة وضرر عليهم من الإيمان والإنفاق في سبيل الله ؟ إنه سبحانه لم يستفهم منهم عما يصيبهم من ذلك ولكنه - جل شأنه - يَذُمُّهُمْ ويوبخهم ويصفهم ويصمهم بالجهل والغفلة عما ينفعهم . فالتلميذ الذي يلعب ، فيرسب تقول له : وماذا عليك لو أنك ذاكرت ؟ ! يعني أي ضرر عليك في هذا ، إذن فمعنى ذلك أنها لا تقال إلا لإنسان في قدرته أن يفعل الفعل ، فمثل هذا التلميذ يقدر أن يذاكر . لكننا لا نأتي لإنسان فيه صفة لا دخل له فيها كالقصر في القامة مثلاً ثم نقول لك : ماذا عليك لو كنت طويلاً ؟ ! هذا قول لا ينفع ولا يصح . إذن فماذا عليك . لا تقال إلا لمن في قدرته الاختيارية أن يكون كذلك ، أما مَنْ لا يكون في قدرته ألا يكون كذلك فلا تقال له . ونقول ذلك لأن طائفة الجبريّة قالت : إن الذي كفر لا يقدر أن يؤمن فالكافر يظل كافراً ، لكنهم لم يلتفتوا إلى قول ربنا : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ النساء : 39 ] فمعنى هذا القول أن الباب مفتوح . وإلا لو كانوا ملزمين بالكفر لما قال ربنا : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ … } [ النساء : 39 ] وهذه الآية لا ترد فقط على مذهب الجبريَّة ، بل تهدم مذهب الجبريَّة كله . فالإنسان ليس مجبراً على فعل وتنتهي المسألة ، وكما يقولون : كالريشة في مهب الريح . ومثلما قال الشاعر : @ ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء @@ نقول لهم : أنتم نسبتم لله - والعياذ بالله - الظلم ، فالله سبحانه وتعالى لم يطلب من الإنسان أن يؤمن به إلا وقد أودع فيه قوة اختيارية تختار بين البديلات . وأنتم لم تفطنوا إلى حقيقة كتابة كل شيء أزلاً فأخذتم منها الشيء الذي لا بد للناس أن تنفذه ، ولم تلتفتوا إلى أن هناك فرقاً بين أن يكون قد كتب ليلزم ، وأن يكون قد كتب لأنه علم . هو سبحانه كتب لماذا ؟ لأنه علم أزلاً أن عبده سيختار كذا ويختار كذا . إذن فالكتابة ليست للإلزام ولكن لسبق العلم . والعلم صفة انكشاف لا صفة تأثير . وحتى نوضح ذلك نقول : إن الصفات نوعان : صفة تكشف الأشياء على ما هي عليه بصرف النظر عن أن تقهر أو لا تقهر ، والقدرة صفة إبراز وليست صفة انكشاف ، ومثال ذلك عميد الكلية الذي يأتي فيقول لأستاذ مادة من المواد : جاءت لي مكافأة للطالب النابغ في مادة كذا ، فاصنع اختباراً للطلاب حتى نعطي هذه الجائزة لمن يستحقها . فيقول أستاذ المادة : لا ضرورة للاختبار لأنني أعلمهم وأعرف مواقعهم من الجدّ ومواقعهم من الاجتهاد ومواقعهم من فقه العلم ، فلان هو الأول وأعطه الجائزة ، فلا يقتنع عميد الكلية ، ويضع هو اختباراً أو يأتي بأساتذة آخرين يضعون الاختبار دون هذا الأستاذ . . وبعد ذلك يفوز الطالب الذي حدده الأستاذ مسبقاً بالدرجة الأولى . أساعة أجاب الطالب عن الأسئلة التي وضعت له . أكان مع الطالب الذي فاز بالمركز الأول مَنْ يرغمه على أن يكتب المادة العلمية التي جعلته يحصل على الجائزة ؟ لا . فلماذا قال الأستاذ عنه ذلك ؟ لأنه علم بمَنْ عنده قدرة من العلم . لقد حكم الأستاذ أولاً لأنه يعلم . ولله المثل الأعلى من قبل ومن بعد ، فالحق سبحانه وتعالى أعطى للناس الاختيار بين البديلات ، لكنه أوضح : أنا أعلم أن عبدي سيختار كذا وكذا . إذن فهذا سبق علم لا قهر قدرة . فالقدرة لها تأثير والعلم لا تأثير له ولا قهر . وقول الله هنا : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ … } [ النساء : 39 ] فقوله : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ … } [ النساء : 39 ] تعني أي ضرر يلحقهم كلمة " عليهم " دائماً تكشف للإنسان ما عليه لذلك لا يقول " لهم " بل يقول : أي ضرر كان يلحقهم لو أنهم آمنوا بالله ولذلك يقول الحق : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ … } [ البقرة : 46 ] . لم يقل سبحانه : الذين يتيقنون . بل إن مجرد الظن بلقاء الله جعلهم يعملون الأعمال الصالحة ، فما بالك إذا كان العبد متيقناً ؟ إن المتقين يقوم بالعمل الصالح من باب أولى . ولذلك فهذه المسألة أخرجت " المعرّي " عما اتهموه به من أنه ينكر البعث ، صحيح أنه في أول حياته قال : @ تحطمنا الأيام حتى كأننا زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ @@ فقالوا : إن قوله " لا يعاد لنا سبك " معناه أنه ينفي قدرة الحق على أن يبعثنا مرة ثانية ، مع أنه من الممكن أن يتأول فيها ، أي لا يعاد لنا سبك في حياتنا هذه ، ونحن لا نرى مَنْ مات يعود مرة ثانية … ونقول كذلك : إن هذه قالها في أول حياته . ولكنه قال في آخر الأمر : @ زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تحشر الأجساد قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما @@ فهو يطلب من الطبيب والمنجم أن يكفا عن إفساد العقول بالشك . وهب أنه اعتقد ألا بعث ، وواحد آخر اعتقد أن فيه بعثاً ، نقول له : إما أن يجيء بعث فيكذب من قال : لا بعث ، وإما ألا يجيء بعث ، فإذا لم يجيء البعث ، ما الذي ضر مَنْ آمن بالبعث ؟ وإذا جاء البعث فمَنْ الذي خسر ؟ سيخسر مَنْ أنكره ، إذن فالذي ينكر البعث يخسر ولا يكسب ، لكن مَنْ قال : إن هناك بعثاً لا يخسر ، وهكذا . وقول الحق : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ … } [ النساء : 39 ] إنه تساؤل عن أي ضرر كان يلحقهم " لو أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله " إن مَنْ يعطي الصدقة ويضعها في يد الله يستثمرها عند المعطي ، لكن عندما يقوم بذلك رئاء الناس فهو يثمر عند مَنْ لا يعطي ، وبذلك يكونون قد خسروا أموالهم وخسروا تثمير الأموال في يد الله بالثواب في الآخرة . { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } [ النساء : 39 ] . وعلم الله متغلغل وسبحانه يعلم الخفايا . وسبحانه محيط بكلّ شيء علماً لذلك يقول الحق بعد ذلك : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ … } .