Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 41-41)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وساعة تسمع كلمة " كيف " فاعرف أن هناك شيئاً عجيباً ، تقول مثلاً : أنت سببت السلطان فكيف إذا واجهوك ووجدته أمامك ماذا تفعل ؟ كأن مواجهة السلطان ذاتها مسألة فوق التصور ، فكل شيء يتعجب منه يؤتى فيه بـ " كيف " ، ومثال ذلك قوله الحق : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ … } [ البقرة : 28 ] . وهذا يعني تعجيباً من مصيبة وكارثة هي الكفر بالله ، فقولوا لنا : كيف جاءت هذه ؟ إنها مسألة عجيبة ، ونقول : فكيف يكون حال هؤلاء الكافرين ، كيف يكون حال هؤلاء العُصاة ، في يوم العرض الأخير ، { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ … } [ النساء : 41 ] و " الشهيد " هو : الذي يشهد ليقرر حقيقة ، ونحن نعلم أن الحق أخبرنا : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] . وهذا النذير شهيد على تلك الأمة أنه بلغها المنهج ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته أنه بلغ ، فقوله : { وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ … } [ النساء : 41 ] مَنْ هم ؟ ننظر قوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ … } [ النساء : 41 ] وهو رسولها الذي بلغ عن الله منهجه ، وكيف يكون الموقف إذا جاء وقال : أنا أبلغتهم الموقف ولا عذر لهم لأنني أعلمتهم به ، " وجئنا بك " يا محمد - صلى الله عليك وسلم " على هؤلاء " فهل المعنى بـ " هؤلاء " هم الشهداء الذين هم الرسل أو على هؤلاء المكذبين لك ؟ وتكون أيضاً شهيداً على هؤلاء مثلما أنت شهيد على أمتك ؟ إن كلا من الحالين يصح ، لماذا ؟ لأن الله جاء بكتابه المعجزة وفيه ما يثبت أن الرسل قد بلغوا أممهم ، فكأن الرسول حين سُجل في كتابه المعجزة وكتابه المنهج أن الرسل قد بلغوا أممهم فهو سيشهد أيضاً : هم بلغوكم بدليل أن ربنا قال لي في كتاب المعجزة وفي المنهج . ويكون رسولنا شهيداً على هؤلاء المكذبين الذي أرسل إليهم وهم أمة الدعوة فالمعنى هذا يصلح ، وكذلك يصلح المعنى الآخر . ولا يوجد معنى صحيح يطرد معنى صحيحاً في كتاب الله ، وهذه هي عظمة القرآن . إن عظمة القرآن هي في أنه يعطي إشعاعات كثيرة مثل فص الماس ، فالماس غالٍ ونفيس لأنه قاسٍ ويُكسر به وكل ذرة فيه لها شعاع ، المعادن الأخرى لها إشعاع واحد ، لكن كل ذرة في الماس لها إشعاع ولذلك يقولون إنه يضوي ويتلألأ ، فكل ذراته تعطي إشعاعاً . والحق سبحانه وتعالى يوضح : أن حال هؤلاء سيكون فظيعاً حينما يأتي يوم العرض يوم القيامة ، ويقولون : إننا بلغناكم ، أو الحق سبحانه وتعالى عرض هذه المسألة بالنسبة للرسل وأممهم ، وبالنسبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته أو للأمم كلها ، فنحن أيضاً سنكون شهداء : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } [ البقرة : 143 ] . وهذه ميزة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لأن أمة محمد هي الأمة الوحيدة التي أمنها الله على أن يحملوا المنهج إلى أن تقوم الساعة ، فلن يأتي أنبياء أبداً بعد رسول الله ، فيقول : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } [ البقرة : 143 ] إذن فنحن بنص هذه الآية أخذنا امتداد الرسالة . عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ عليّ القرآن فقلت يا رسول الله : أقرأ عليك وعليك أُنزل ؟ . قال : نعم إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } فقال : حسبك ، فإذا عيناه تذرفان الدموع " . فإذا كان الشهيد بكى من وقع الآية فكيف يكون حال المشهود عليه ؟ الشهيد الذي سيشهد بكى من الآية ، نعم لأنك تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ قلبه رحمة بأمته ولذلك قلنا : إن حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته جعل ربه يعرض عليه أن يتولى أمر أمته ، بعد أن علم سبحانه مدى عنايته صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . فأمر أمته صلى الله عليه وسلم كان يقلقه جداً على الرغم من أن الحق سبحانه قد أوضح له : أنت عليك البلاغ وليس عليك أن تهدي بالفعل ، وهو صلى الله عليه وسلم يعرف هذا . إنما حرصه ورحمته بأمته جعله يحب أن يؤمنوا ، ، وعليه الصلاة والسلام خاف على أمته من موقف يشهد فيه عليهم ضمن مَنْ سيشهد عليهم يوم الحشر . فلما رأى الحق سبحانه وتعالى أن رسوله مشغول بأمر أمته قال له : لو شئت جعلت أمر أمتك إليك . وانظر إلى العظمة المحمدية والفهم عن الله ، والفطنة ، فقال له : لا يا رب . أنت أرحم بهم مني . وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول للخالق : " أتنقل مسألتهم في يدي وأنا أخوهم ، إنما أنت ربي وربهم ، فهل أكون أنا أرحم بهم منك ؟ لقد كان من المتصور أن يقول رسول الله : نعم أعطني أمر أمتي لكنه صلى الله عليه وسلم قال : يا رب أنت أرحم بهم مني . فكيف يكون ردّ الرب عليه ؟ . قال سبحانه : فلا أخزيك فيهم أبداً ، وسبحانه يعلم رحمة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم بأمته " . عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي … } [ إبراهيم : 36 ] وقول عيسى عليه السلام : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] . فرفع يديه وقال : " اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : " يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " . { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا … } [ النساء : 41 ] أي كيف يكون حال هؤلاء العصاة المكذبين … { إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ … } [ النساء : 41 ] أنه أدّى وبلغ عن الله مراده من خلقه . { وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . ويقول الحق من بعد ذلك : { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } .