Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 42-42)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وساعة ترى { يَوْمَئِذٍ … } [ النساء : 42 ] وتجد فيها هذا التنوين فاعلم أنه عوض عن شيء محذوف والمحذوف هنا أكثر من جملة ويصبح المعنى : يوم إذْ نجيء من كل أمة بشهيد وتكون أنت عليهم شهيداً ، في هذا اليوم { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ … } [ النساء : 42 ] لأنهم فوجئوا بعملية كانوا يكذبونها ، فلم يكونوا معتقدين أن الحكاية جادة ، كانوا يحسبون أن كلام الرسول مجرد كلام ينتهي ، فعندما يفاجئهم يوم القيامة ماذا يكون موقفهم ؟ { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ … } [ النساء : 42 ] وما معنى { تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ … } [ النساء : 42 ] ؟ كما تقول : سأسوِّي بفلان الأرض أي تدوسه بحيث يكون في مستوى الأرض . { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] . فكيف لا يكتمون الله حديثاً ؟ وهو قد قال في آية أخرى : { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . قال الحق ذلك عنهم لأن الأمر له مراحل : فمرة يتكلمون ، ويكذبون ، فهم يكذبون عندما يقولون : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . وسيقولون عن الأصنام التي عبدوها : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . إذن فقوله : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] دليل على أن الحديث مندفع ولا يقدر صاحبه أن يكتمه . فالكتم : أن تعوق شيئاً يخرج بطبيعته من شيء آخر فتكتمه . والواحد منهم في الآخرة : لا يقدر أن يكتم حديثاً لأن ذاتية النطق ليست في أداة النطق كما كان الأمر في الدنيا فقط ، بل سيجدون أنفسهم وقد قدموا إقرارات بخطاياهم ، وبألسنتهم وبجوارحهم لأن النطق ليس باللسان فقط ، فاللسان سيشهد ، والجلود تشهد ، واليدان تشهدان ، بل كل الجوارح تشهد . إذن فالمسألة ليست تحت سيطرة أحد ، لماذا ؟ لأن هناك ما نسميه " ولاية الاقتدار " ، ومعناها أن : هناك قادراً ، وهناك مقدور عليه . ولكي نقرب الصورة ، عندما توجد كتيبة من الجيش وعليها قائد . وبعد ذلك قامت الكتيبة في مهمة ، والقانون العام في هذه المهمة : أن يجعل لهذا القائد قادرية الأوامر وعلى الجنود طاعته وألا يخالفوا الأوامر العسكرية ، فإذا أصدر هذا القائد أمراً تسبب في فشل معركة ما ، وذهب الجنود للقائد الأعلى منه ، ويسمونه الضابط الأعلى من الضابط الصغير ، فيكون للجنود معه كلام آخر ، إنهم يقدرون أن يقولوا : هو الذي قال لنا ونفذنا أوامره . أقول ذلك لتقريب المعنى لحظة الوقوف أمام الحق سبحانه وتعالى ، فحينما خلق سبحانه الإنسان خلق جوارحه منفعلة لإرادته ، وإرادته مكيفة حسب اختياره . فإرادة الطائع إطاعة أمر واجتناب نهي ، وإرادة العاصي على العكس لا يطيع الأمر ولا يتجنب المنهي عنه فواحد أراد أن يشرب الخمر ، فرجله مشت ، ولسانه نطق لِلرَّجُلِ الذي يعطيه الكأس ، ويده امتدت وأخذت الكأس وشرب ، والجوارح التي تقوم بهذه العملية هي خاضعة لقادرية إرادته ، فقد خلقها ربنا هكذا ، وبعد ذلك ، حين تذهب إلى من دبر هذا الأمر في الآخرة تقول له : يا رب هو عمل بي كذا وكذا ، لماذا ؟ لأن قادرية الإرادة امتنعت : { ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . وليس لي ولا لأحد إرادة في الآخرة ، وما دام ليس لي إرادة فاليد تتكلم وتعترف : عمل بي كذا وكذا وكنت يا رب مقهورة لقادرية إرادته التي أعطيتها له فبمجرد ما يريد فأنا أنفذ . عندما أراد أن أضرب واحداً لم أمتنع . ويعترف اللسان بسبّه لفلان ، أو مدحه لآخر ، إذن فكل هذه ولاية القادرية من الإرادة على المقدورات من الجوارح . لكن إذا ما ذهبت إلى من وهب القادرية للإرادة فلا يوجد أحد له إرادة . فكأن الجوارح حين تصنع غير مرادات الله بحكم أنها خاضعة للمريد وهو غير طائع تكون كارهة لذلك تفعل أوامر صاحبها وهي كارهة ، فإذا ما انحلت إرادته وجدت الفرصة فتقول ما حدث : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] . { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ … } [ النساء : 42 ] ، لأن الكافر سيقول : { يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ … } .