Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 48-48)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه من أرجى الآيات في كتاب الله ، ولذلك فحينما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما موجبات الإيمان ؟ أي : ما الذي يعطينا الإيمان ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة " . وعن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " . ونحن نقول إن مَنْ يشرك بالله فهو يرتكب الخيانة العقدية العظمى ، وقد أخذنا هذا المصطلح من القوانين الوضعية ، وإن كانت القوانين الوضعية ليس غرضها أن تؤكد قضايا دينية ، لكن غفلتهم تجعلنا نلتقط منها أنها تؤكد القضايا الدينية أيضاً . هَبْ أن جماعة قاموا بحركة ، وبعد ذلك استغل واحد منهم الحركة في نفع خاص له ، وواحد آخر استغل الحركة في أن تكون له لا للآخر ، أي ينقلب عليه ، فالأول القائم على النظام يسميها خيانة عظمى ، أما مَنْ لا يقاوم بغرض خلع الحاكم ولكنّه يظلم الناس فقد يعاقبه الحاكم على ما حدث منه وليس على الخيانة العظمى . إذن : ففي قانون البشر أيضاً خيانة عظمى ، وفيه انحراف وهو الذي لا يتعرض للسيادة ، لكن أي حركة تتعرض للسيادة يكون فيها قطع رقاب ، وكل أمر آخر إنما يؤخذ بدرجة من العقوبة تناسب ذنبه . فالحق سبحانه وتعالى يوضح : أصل القضية الإيمانية أن الله سبحانه وتعالى يريد منكم أن تعترفوا بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له ، وحين تعترف بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له . فأنت تدخل حصن الأمان . ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : " أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شَاكٍّ منهما إلا دخل الجنة " . وأبو ذر عندما قال للنبي في محاورة بينهما حول هذه الآية ، قال له : " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق ، قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة : على رغم أنف أبي ذر " . لقد كان أبو ذر غيوراً على حدود الله ، فهل ساعة قال رسول الله : على رغم أنف أبي ذر هل هذه أحزنت أبا ذر ؟ لا ، لم تحزنه ، ولذلك عندما كان يحكيها ويقولها : مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن رغم أنف أبي ذر وهو مسرور ، لماذا ؟ لأنها فتحت باب رحمة الحق ، لأنه إذا لم يكن هذا فما الفارق بين مَنْ اعتقدها وقالها وبين مَنْ لم يقلها ؟ فلا بد أن يكون لها تمييز . وكل جريمة موجودة في الإسلام - والحق سبحانه قد جرَّمها - فهذا يعني أنها قد تحدث . مثال ذلك ، يقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا … } [ المائدة : 38 ] . وهذا يعني أنه من الجائز أن يسرق المؤمن ، وكذلك قد يزني في غفلة من الغفلات ، وفي أسس الاستغفار يأتي البيان الواضح : من الصلاة للصلاة كفارة ما بينهما ، الجمعة للجمعة كفارة ، الحج كفارة ، الصوم كفارة . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر " . أي أن ربنا قد جعل أبواباً متعددة للمغفرة وللرحمة ، وهو سبحانه يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ … } [ النساء : 48 ] وهذه المسألة ليست لصالحه إنما لصالحكم أنتم حتى لا تتعدد آلهة البشر في البشر ويرهق الإنسان ويشقى من كثرة الخضوع لكل من كان قوياً عنه ، فأعفاك الله من هذا وأوضح لك : لا ، اخضع لواحد فقط يكفك كل الخضوع لغيره ، واعمل لوجه واحد يكفك كل الأوجه ، وفي ذلك راحة للمؤمن . إن الإيمان إذن يعلمنا العزة والكرامة ، وبدلاً من أن تنحني لكل مخلوق اسجد للذي خلق الكون كله بصفات قدرته وكماله ، فلم تنشأ له صفة لم تكن موجودة هل أنتم زدتم له صفة ؟ لا . فهو بصفات الكمال أوجدكم وبصفات الكمال كان قيوماً عليكم ، فأنتم لم تضيفوا له شيئاً ، فكونك تشهد أن لا إله إلا الله . ما مصلحتها بالنسبة لله ؟ إن مصلحتها تكون للعبد فحسب . ولذلك قلنا : إن الحق سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يجتمعوا كل أسبوع مرة لأنك قد تصلي فرضاً فرضاً في مصنعك أو في مزرعتك أو في أي مكان ، إنما يوم الجمعة لا بد أن تجتمع مع غيرك ، لماذا ؟ لأنه من الجائز أنك تذل لله بينك وبينه ، تخضع وتسجد وتبكي بينك وبين الله ، لكنه يريد هذه الحكاية أمام الناس ، لترى كل مَنْ له سيادة وجاه يسجد ويخشع معك لله . وفي الحج ترى كل مَنْ له جاه ورئاسة يؤدي المناسك مثلك ، فتقول بينك وبين نفسك أو تقول له : لقد استوينا في العبودية ، فلا يرتفع أحد على أحد ولا يذل له بل كلنا عبيد الله ونخضع له وحده . إذن فالمسألة في مصلحة العبد ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ … } [ النساء : 48 ] ، لأنه لو غفر أن يشرك به لتعدد الشركاء في الأرض ، وحين يتعدد الشركاء في الأرض يكون لكل واحد إله ، وإذا صار لكل واحد إله تفسد المسألة ، لكن الخضوع لإله واحد نأتمر جميعاً بأوامره يعزنا جميعاً … فلا سيادة لأحد ولا عبودية لأحد عند أحد ، فقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ . . } [ النساء : 48 ] هذا لمصلحتنا . { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ … } [ النساء : 48 ] . وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال " أتى وحشيٌّ وهو قاتل سيدنا حمزة في غزوة أُحد ، أتى على النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد أتيتك مستجيراً فأجرني حتى أسمع كلام الله . فقال رسول الله : " قد كنت أحب أن أراك على غير جوار ، فأما إذ أتيتني مستجيراً فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال : فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت هل يقبل الله مني توبة ؟ فصمت رسول الله حتى نزلت : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } . فتلاها عليه فقال : أرى شرطاً فلعلِّي لا أعمل صالحاً ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] . فدعا به فتلا عليه قال : فلعلِّي ممن لا يشاء ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . فقال نعم : الآن لا أرى شرطاً فأسلم " . إذن فالمسألة كلها تلطف من الخالق بخلقه ، واعتبار عمليات الغفلة عمليات طارئة على البشر ، وما دام الحق يقنن تقنينات فمن الجائز أنها تحدث ، لكن إذا حدثت معصية من واحد ثم استغفر عنها ، إياك أن تأتي بسيرتها عنده مرة أخرى وتذكره بها وافرض أن واحداً شهد زوراً ، افرض أن واحداً ارتكب ذنباً ، ثم استغفر الله منه وتاب . إياك أن تقول له : يا شاهد الزور لأنه استغفر مَنْ يملك المغفرة ، فلا تجعله مذنباً عندك لأن الذي يملكها انتهت عنده المسألة . لماذا ؟ لكيلا يذلّ الناس بمعصية فعلت ، بل العكس إنّ أصحاب المعاصي الذين أسرفوا على أنفسهم يكونون في نظر بعض الناس هيِّنين محقرين . ولذلك نقول : إن الواحد منهم كلما لذعته التوبة وندم على ما فعل كُتبت له حسنة ، فعلى رغم أنه ذاق المعصية لكنه مع ذلك تاب عنها ، وهذا هو السبب في أن الله يبدل سيئاتهم حسنات ، وعندما نعلم أن ربنا يبدل سيئاتهم حسنات فليس لنا أن نحتقر المسرفين على أنفسهم ، بل علينا أن نفرح بأنهم تابوا ، ولا نجعل لهم أثراً رجعيا في الزلة والمعصية . { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] و " الافتراء " هو الكذب المتعمد . لأن هناك مَنْ يقول لك قضية على حسب اعتقاده ، وتكون هذه القضية كاذبة ، كأن يقول لك : فلان زار فلاناً بالأمس . هو قال ذلك حسب اعتقاده بأن قالوا له أو رأى أثر للزيارة ، على الرغم من أن مثل هذه الزيارة لم تحدث فيكون كذباً فقط ، أما الشرك فهو تعمد الكذب على الله وهذا يطلق عليه : { ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] لأنه مخالف لوجدانية الفطرة ، كأن وجدانية الفطرة تقول : لا تقل إلا ما تعرفه فعلاً وأنت متأكد بل عليك ألاّ تخالف فطرتك متعمداً وتجعل لله شريكاً . والحق سبحانه وتعالى عندما يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . إما أن تكون هذه الكلمة صادقة فننتهي ، وإما ألا تكون صادقة - والعياذ بالله - أي أن هناك أحداً آخر معه ، الآخر سمع أن هناك واحداً يقول : لا إله إلا أنا . أسكت أم لم يسمع ؟ إن لم يكن قد سمع فيكون إلهاً غافلاً ، وإن كان قد سمع فلماذا لم يعارض ويقول : لا ، لا إله إلا أنا ، ويأتي بمعجزة أشد من معجزة الآخر ولم يحدث من ذلك شيء . إذن : فهذه لا تنفع وتلك لا تنفع ، فـ " لا إله إلا الله " حين يطلقها الله ويأتي بها رسول الله ويقول الله : أنا وحدي في الكون ولا شريك لي ، ولم ينازعه في ذلك أحد فالمسألة صادقة لله بالبداهة ولا جدال . { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } [ النساء : 48 ] والافتراء كما يكون في الفعل وفي الكلام ويكون في الاعتقاد أيضاً . " إثم عظيم " ، وهذا يعني أن هناك إثما غير عظيم ، " الإثم العظيم " هو الذي يُخلّ قضية عقدية واحدة في الكون تشمل الوجود كله هي أنه لا إله إلاّ الله . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى عوْداً على هؤلاء اليهود : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ … } .