Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية كثر كلامنا فيها ، وفي كل مناسبة من المناسبات جاء الكلام عنها ، ولكن علينا أيضاً أن نعيد بشيء من الإيجاز ما سبق أن قلناه فيها ، الله سبحانه وتعالى يقول : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النساء : 59 ] ، ولماذا أطيع الله وأطيع الرسول ؟ لأن فيه الحيثيات المقدمة ، فأنت عندما ترى حكماً من القاضي تجد أن هناك حيثيات الحكم أي التبرير القانوني للعقوبة أو للبراءة فيقول القاضي : بما أنه حدث كذا فقانونه كذا حسب المادة كذا ، هذه هي الحيثيات . و " الحيثيات " مأخوذة من : حيث إنه حدث كذا فحكمنا بكذا . أو حيث إنه لم يحدث كذا فحكمنا بكذا ، إذن فحيثيات الحكم معناها : التبريرات التي تدل على سند الحكم لمن حكم . هنا يقول سبحانه : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النساء : 59 ] . وهل الحق سبحانه وتعالى قال : يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ؟ لا ، لم يقل ذلك ، لقد قال : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ النساء : 59 ] . إذن فما دمت قد آمنت بالله إلهاً حكيماً خالقاً عالماً مكلِّفاً فاسمع ما يريد أن يقوله لك ، فلم يكلف الله مطلق أناس بأن يطيعوه ، إنما دعا مطلق الناس أن يؤمنوا به . ومَنْ يؤمن يقول له : أطعني ما دمت قد آمنت بي . إذن فحيثية الطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم نشأت من الإيمان بالله وبالرسول . وهذه عدالة كاملة لأنه سبحانه لا يكلف واحداً أن يفعل فعلاً إلا إذا كان قد آمن به - سبحانه - مكلِّفاً ، آمن به أمراً ، أما الذي لا يؤمن به فهو لا يقول له : افعل كذا ولا تفعل كذا ، إنه سبحانه يطالبه أن يؤمن به أولاً ، فإذا ما آمن به يقول له : استمع إلي ، ولذلك تجد كل تكليف يصدر بقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ النساء : 59 ] . إن حيثية إطاعة الله وإطاعة الرسول هي : الإيمان به ، هذه هي الحيثية الإيمانية الأولى ، أما إن جال ذهنك لتدرك سر الطاعة ، فهذا موضوع آخر ، ولذلك أوضح : إياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث فيها أولاً فإن اقتنعتم بها أخذتموها وإن لم تقتنعوا بها تركتموها ، لا . إن مثل هذا التصرف معناه أنك شككت في الحكم . بل عليك أن تقبل على تنفيذ أحكامه لأنه سبحانه قالها وأنت مؤمن بأنه إله حكيم ، لكن هل ذلك يمنع عقلك من أن يجول ليفهم الحكمة ؟ نقول لك : أنت قد تفهم بعض الحكمة ، ولكن ليست كل الحكمة لأن كمالات حكمة الله لا تتناهى ، فقد تعرف جزءاً من الحكمة وغيرك يعرف جزءاً آخر ، ولذلك قالوا : إن الفرق بين أمر البشر للبشر ، وأمر الله للمؤمنين به شيء يسير جداً هو : أمر الله للبشر تسبقه العلة وهي أنك آمنت به ، أما أمر البشر للبشر فأنت تقول لمن يأمرك : أقنعني لماذا أفعل هذه ؟ لأن عقلك ليس أرقى من عقلي . فأنت لا تصنع شيئاً إلا إذا اقتنعت به . وتكون التجارب قد أثبتت لك أصالة رأي مَنْ تستمع له وأنه لن يغشك . وهكذا نرى أن طاعتنا لله تختلف عن طاعتنا للمخلوق فنحن نطيع الله لأننا آمنا به وحينما يطلب سبحانه منا أن نطيعه ، ننظر هل هذه الطاعة لصالحنا أو لصالحه ؟ فإذا وثقنا أنه بكل صفات الكمال الموجودة له خلقنا إذن فسبحانه لا يريد صفة جديدة تكون له لأنه لم يخلقنا إلا بصفات الكمال فيه ، وسبحانه قد خلقك دون أن يكون لك حق الخلق عنده ، خلقك بقدرته ، وأمدك لاستبقاء حياتك بقيوميته ، فحين يطلب منك الإله الذي يتصف بتلك الكمالات شيئاً فهو يطلبه لصالحك ، كما ترى أي إنسان من البشر - ولله المثل الأعلى - يُعنى بصنعته ويحب أن تكون صنعته متميزة ، فكذلك الحق سبحانه وتعالى يريد أن يباهي بهذا الخلق ، ويباهي بهذا الخلق ليس بالإكراه على أن يفعلوا ما يأمر به بالتسخير لا ، بل بالمحبوبية لأمر الله وأن نعلن بسلوكنا : نحن نحبك يا ربنا . وإلا فأنت - أيها الإنسان - قد تختار أن تكون عاصياً . وما دمت مخيراً أن تكون عاصياً ثم أطعت ، فهذه تثبت لله صفة المحبوبية لأنه - كما نعرف - هناك فرق بين مَنْ يقهر بقدرته ومن يعطيك الاختيار حتى تأتيه وأنت محب ، على الرغم من أنه قادر على أن يقهرك . فساعة قال الحق : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ … } [ النساء : 59 ] معناها : أنه لم يطلب منا شططاً ، وكيف نطيع الله ؟ أن نطيعه في كل أمر ، وهل أَمَرَ اللهُ خَلْقَه منفردين ؟ . لا ، بل أمرهم كأفراد وكجماعة ، وأعطاهم الإيمان الفطري الذي يثبت أن وراء الكون قوة أخرى خلقته ، وهذه القوة لا يعرف أحد اسمها ، ولا مطلوباتها ، أو ماذا ستعطي لمن يطيعها إذن فلا بد أن يوجد مُبلِّغ . ولذلك فأنا أرى أن بعض الفلاسفة قد جانبوا الصواب عندما قالوا : إن العقل كاف في إدراك الدين ، وأقول لهم : لا ، العقل كاف في إدراك مَنْ ندين له ، ولكن العقل لا يأتي لنا بكيفية الدين ومنهجه . لذلك لا بد من بلاغ عنه يقول : افعلوا كذا وكذا وكذا ، نقول لهؤلاء الفلاسفة : إن العقل كافٍ في استنباط وجود قوة وراء هذا الكون ، أما شكل هذه القوة ، واسمها وماذا تريد فلا أحد يعرف ذلك إلا أن يوجد مبلِّغ عن هذه القوة ، ولا بد أن تكون القوة التي آمنت بها بفطرتك قد أرسلت مَنْ يقول : اسمه كذا ، ومطلوبه كذا ، إذن فقوله : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ … } [ النساء : 59 ] يلزم منها إطاعة الرسول . وبعد ذلك قال : { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ … } [ النساء : 59 ] و { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ … } [ النساء : 59 ] هنا لم يتكرر لهم الفعل ، فلم يقل : وأطيعوا أولي الأمر لنفهم أن أولي الأمر لا طاعة لهم إلا من باطن الطاعتين : طاعة الله وطاعة الرسول ، ونعلم أن الطاعة تأتي في أساليب القرآن بثلاثة أساليب : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ … } [ آل عمران : 32 ] و { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النساء : 59 ] ، { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 56 ] فقط . إذن فثلاثة أساليب من الطاعة : الأسلوب الأول : أطيعوا الله والرسول فأمر الطاعة واحد والمطاع هو الله والرسول . والأسلوب الثاني : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . والأسلوب الثالث : أطيعوا الرسول ، نعم ، فالتكليفات يأمر بها الحق سبحانه وتتأكد بحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعله أو تقريره ، وهنا تكون الطاعة في الأمر لله وللرسول ، أو أن الحق قد أمر إجمالاً والرسول عين تفصيلاً فقد أطعنا الله في الإجمال وأطعنا الرسول في التفصيل فتكون الطاعة لله ، وتكون الطاعة للرسول ، أو إن كان هناك أمر لم يتكلم فيه الله وتكلم الرسول فقط . وثبت ذلك بقول الحق : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ … } [ النساء : 80 ] . وقوله تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . إذن فهذه تثبت أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ملاحظ في التشريع : ملحظ يشرع فيه ما شرع الله تأكيداً له أو أن الله قد شرع إجمالاً ، والرسول عيَّن تفصيلاً . والأمثلة على ذلك : أن الله فرض علينا خمس صلوات ، وفرض علينا الزكاة ، وهذه تكليفات قالها ربنا والرسول يوضحها : النصاب كذا ، والسهم كذا ، إذن فنحن نطيع ربنا في الأمر إجمالاً ، ونطيع الرسول في الأمر التفصيلي ، أو أنّ الأمر لم يتكلم فيه الله حكماً ، وإنما جاء من الرسول بتفويض من الله ، ولذلك فإن قال لك أي إنسان عن أي حكم من الأحكام : هات دليله من القرآن ولم تجد دليلاً من القرآن فقل له : دليل أي أمر قال به الرسول من القرآن هو قول الحق : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . هذا دليل كل أمر تكليفي صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد يقول قائل : هناك فارق بين الأمر الثابت بالسنة والفرض . نقول : لا تخلط بين السنة وهي الأمر الذي إن فعلته تثاب وإن لم تفعله لا تعاقب ، والفرض الذي يجب على المكلَّف أن يفعله ، فإن تركه أثم وعوقب على الترك ، وهذا الفرض جاء به الحق وأثبته بالدليل كالصلوات الخمس وعدد الركعات في كل صلاة ، فالدليل في الفرض هنا ثبت بالسنة وهذا ما يسمى سنية الدليل وهناك فرق بين سنية الحكم كأن يصلي المسلم قبل الظهر ركعتين وقبل الصبح ركعتين وفرضية الحكم كصلاة الصبح والظهر ، إذن ففيه فرق بين الشيء الذي إن فعلته تثاب عليه وإن لم تفعله لا تعاقب عليه والشيء الذي يفرض عليك أداؤه ، فإن تركته أثمت وعوقبت ، وأما سنية الدليل فهي شرح ما جاءت به الفروض شرحاً تطبيقياً ليتبعه المسلمون . أما الأمر بطاعة أولي الأمر فقد جاءت بالعطف على المطاع دون أمر بالطاعة ، مما يدل على أن طاعة وليّ الأمر ملزمة إن كانت من باطن طاعة الله وطاعة رسوله ، وفي ذلك عصمة للمجتمع الإيماني من الحكام المتسلطين الذين يحاولون أن يستذلوا الناس بقول الله : { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ … } [ النساء : 59 ] ويدعون أن طاعتهم واجبة ، يقول الواحد منهم : ألست ولي أمر ؟ . فيرد العلماء : نعم أنت ولي أمر ولكنك معطوف على المطاع ولم يتكرر لك أمر الطاعة ، فدلّ ذلك على أن طاعتك واجبة إن كانت من باطن الطاعتين . فإن لم تكن من باطن الطاعتين فلا طاعة لك ، لأن القاعدة هي " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، هكذا قال أبو حازم لمسلمة بن عبد الملك حينما قال له : ألسنا ولاة الأمر وقد قال الله : { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ … } [ النساء : 59 ] . قال : ويجب أن نفطن أيضاً إلى أنها نزعت في قوله سبحانه : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ … } [ النساء : 59 ] . إذن فالحاكم المسلم مطالب أولاً بأداء الأمانة ، ومطالب بالعدل ، ومطالب أيضاً أن تكون طاعته من باطن طاعة الله وطاعة رسوله . فإن لم تكن فيه هذه الشروط ، فهو حاكم متسلط . { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ … } [ النساء : 59 ] إذن فالتنازع لا بد من أن يكون في قضية داخلة في نطاق مأمورات الطاعة ، ويجب أن يكون لها مرّد ينهي هذا التنازع { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ النساء : 59 ] . والذين يعرفون هذه الأحكام هم العلماء ، فإن تنازع المحكوم مع الحاكم نذهب إلى العلماء ليبينوا لنا حكم الله في هذه المسألة ، إذن فإن أريد بـ { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ … } [ النساء : 59 ] الحاكم ، نقول له : { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ … } [ النساء : 59 ] أي على الحاكم أن يتبع ما ثبت عن الله والرسول ، والحجة في ذلك هم العلماء المشتغلون بهذا الأمر ، وهم الملاحظون لتنفيذ حكم الله بما يعرفونه عن الدين . والحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا ذلك ، يريد أن ينهي مسألة التنازع ، لأن التنازع يجعل حركات الحياة متضاربة ، هذا يقول بكذا وذلك يقول بكذا ، فلا بد أن نرده إلى مردّ أعلى ، والحق يقول : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ … } [ النساء : 83 ] . إذن فقد يكون المراد بأولي الأمر " العلماء " . نقول : إن الآية الأولى عامة وهي التي جاءت بها طاعة ولي الأمر ضمن طاعة الله والرسول ، والثانية التي تخص الاستنباط يكون المقصود بأولي الأمر هم العلماء . وأولوا الأمر في القضية الأولى التي عندما نتنازع معهم في أمر نرده إلى الله والرسول هم الذين يشرفون على تنفيذ أحكام الله ، وهذه سلطة تنفيذية ، أما سلطة العلماء فهي تشريعية إيمانية . { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ النساء : 59 ] إذن فالذي لا يفعل ذلك يجازف بأن يدخل في دائرة مَنْ لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، ونقول لكل منهم : راجع إيمانك بالله واليوم الآخر - ابتداءً في تلقي الحكم ، وإيماناً باليوم الآخر - لتلقي الجزاء على مخالفة الحكم ، فالحق لم يجعل الدنيا دار الجزاء . وينبهنا الحق في ختام الآية : { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء : 59 ] أي في ذلك خير للحكام وللمحكومين معاً لأن الخير هو أن يقدر الإنسان ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، وكل شهوة من الشهوات إن قدَّرت نفعها فلن تنفعك سوى لحظة ثم يأتي منها الشر . والتأويل هو : أن تُرْجع الأمر إلى حكمه الحقيقي ، من " آل " يئول إذا رجع { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء : 59 ] تعني أحسن مَرْجعاً وأحمد مغبة وأجمل عاقبة لأنك إن حرصت بما تريد على مصالح دنياك ، فما ترجع إليه سيكون فيه شر لك . إذن فالأحسن لك أن تفعل ما يجعلك من أهل الجنة ، أو { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء : 59 ] في الاستنباط ، لأن العلماء سيأخذونه من منطلق مفهوم قول الله وقول الرسول ، وأنت ستأخذها بهواك ، وفهمك عن الله يمنعك من الشطط ومن الخطأ . فإن كنتم تريدون الخير فلاحظوا الخير في كل أحيانه وأوقاته ، ولا ينظر الإنسان إلى الخير ساعة يؤدي له ما في هواه ، ولكن لينظر إلى الخير الذي لا يأتي بعده شر . وإذا ما نظرنا تاريخ الكثير من الحكام ووجدناهم قد أمنوا على انتقادهم في حياتهم بما فرضوه من القهر والبطش ، فلما ماتوا ظهرت العيوب ، وظهرت الحملات ، إن الواجب على مَنْ يحكم أن يعتبر بما سمع عَمَّنْ حكم قبله فالذي حكم قبله كمم الأفواه وكسر الأقلام ، وبعدما انتهى ، طالت الألسنة وكتبت الأقلام ، فيجب أن نحسن التأويل وأن ننظر إلى المرجع النهائي ، فمَنْ استطاع أن يحمي نفسه في حياته بسطوته وجبروته لا يستطيع أن يحمي تاريخه وسمعته ، إنه بعد أن انتهت السطوة والجبروت قيل فيه ما قيل ، ونحن مازلنا في الدنيا ولم نذهب إلى الآخرة بعد فإذا كان هذا هو جزاء الخلق . فما شكل جزاء الحق إذن ؟ ! { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء : 59 ] أي مرجعاً وعاقبة . ويقول الحق بعد ذلك : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ … } .