Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نعرف أن { أَلَمْ تَرَ … } [ النساء : 60 ] تعني : ألم تعلم ، إن كان المعلوم قد سبق الحديث عنه ، أو إن كان المعلوم ظاهراً حادثاً بحيث تراه ، ونعرف أن الحق عبّر بـ { أَلَمْ تَرَ … } [ النساء : 60 ] في كثير من القضايا التي لم يدركها المخاطب وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليدلنا على أن ما يقوله الله - وإن كان خبراً عما مضى - يجب أن تؤمن به إيمانك بالمريء لك الآن ، لأن الله أوثق في الصدق من عينك فعينك قد تخدعك ، لكن حاشا أن يخدعنا الله . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ … } [ النساء : 60 ] والمراد هم المنافقون وبعض من أهل الكتاب الذين زعموا الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم . و " الزعم " : مطية الكذب ، فهم { يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ … } [ النساء : 60 ] وهو القرآن { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ … } [ النساء : 60 ] ، وهو التوراة والإنجيل و { يُرِيدُونَ … } [ النساء : 60 ] بعد ادعاء الإيمان { أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ … } [ النساء : 60 ] ، والتحاكم إلى شيء هو : الاستغاثة أو اللجوء إلى ذلك الشيء لينهي قضية الخلاف . فعندما نقول : " تحاكمنا إلى فلان " ، فمعنى قولنا هذا : أننا سئمنا من آثار الخلاف من شحناء وبغضاء ، ونريد أن نتفق إلى أن نتحاكم ، ولا يتفق الخصمان أن يتحاكما إلى شيء إلا إذا كان الطرفان قد أجهدهما الخصام ، فهما مختلفان على قضية ، وأصاب التعب كُلاًّ منهما . { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ … } [ النساء : 60 ] . و { ٱلطَّاغُوتِ … } [ النساء : 60 ] - كما عرفنا - هو الشخص الذي تزيده الطاعة طغياناً ، فهناك طاغٍ أي ظالم ، ولما رأى الناس تخافه استمرأ واستساغ الظلم مصداقاً لقول الحق : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ … } [ الزخرف : 54 ] . وهذا اسمه " طاغوت " مبالغة في الطغيان ، والطاغوت يطلق على المعتدي الكثير الطغيان سواء أكان أناساً يُعبدون من دون الله ، ولهم تشريعات ويأمرون وينهون ، أم كان الشيطان الذي يُغري الناس ، أم كان حاكماً جبّاراً يخاف الناس شرّه ، وأي مظهر من تلك المظاهر يعتبر طاغوتاً . وقالوا : لفظ الطاغوت يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع فتقول رجل طاغوت ، ورجلان طاغوت ، ورجال طاغوت ، يأتي للجمع كقوله الحق : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ … } [ البقرة : 257 ] . ويأتي للمفرد كقوله الحق : { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ … } [ النساء : 60 ] . إذن فمرة يأتي للجمع ومرة يأتي للمفرد ، وفي كل حكم قرآني قد نجد سبباً مخصوصاً نزل من أجله الحكم ، فلا يصح أن نقول : إن حكماً نزل لقضية معينة ولا يُعدَّى إلى غيرها ، هو يُعدَّى إلى غيرها إذا اشترك معها في الأسباب والظروف ، فالعبرة بعموم الموضوع لا بخصوص السبب . لقد نزلت هذه الآية في قضية منافق اسمه " بشر " . حدث خلاف بينه وبين يهودي ، وأراد اليهودي أن يتحاكم إلى رسول الله ، وأراد المنافق أن يتحاكم إلى " كعب بن الأشرف " ، وكان اليهودي واثقاً أن الحق له ولم يطلب التحاكم إلى النبي حباً فيه ، بل حباً في عدله ، ولذلك آثر مَنْ يعدل ، فطلب حكم رسول الله ، أما المنافق الذي يعلن إسلامه ويبطن ويخفي كفره فهو الذي قال : نذهب إلى كعب بن الأشرف الطاغوت ، وهذه تعطينا حيثية لصدق رسول الله في البلاغ عن الله في قوله : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ … } [ النساء : 58 ] . وكون اليهودي يريد أن يتحاكم إلى رسول الله ، فهذه تدل على ثقته في أن رسول الله لن يضيع عنده الحق ، ولم يطلب التحاكم إلى كبير من كبراء اليهود مثل " كعب بن الأشرف " لأنه يعرف أنه يرتشي . ويختم الحق الآية : { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء : 60 ] فهما حين يتحاكمان إلى الطاغوت وهو " كعب بن الأشرف " وبعد ذلك يقضي لمن ليس له حق ، سيغري مثل هذا الحكم كل مَنْ له رغبة في الظلم أن يظلم ، ويذهب له ليتحاكم إليه ! فالضلال البعيد جاء هنا لأن الظلم سيتسلسل ، فيكون على القاضي غير العادل وزر كل قضية يُحكم فيها بالباطل ، هذا هو معنى " الضلال البعيد " ، وليت الضلال يقتصر عليهم ، ولكن الضلال سيكون ممتداً . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ … } .