Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الغرض من إرسال الحق للرسول هو أن يعلم الناس شرع الله المتمثل في المنهج ، وأن يهديهم إلى دين الحق . والمنهج يحمل قواعد هي : افعل ، ولا تفعل ، وما لا يرد فيه " افعل ولا تفعل " من أمور الحياة فالإنسان حرّ في اختيار ما يلائمه . وأي رسول لا يأتي بتكليفات من ذاته ، بل إن التكليفات تجيء بإذن الله ، وهو لا يطاع إلا بإذن من الله . الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بطاعة الله إلا إن يفوّض من الله في أمور أخرى ، وقد فوّض الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله الحق : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . فالمؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم - إذن عليهم طاعة الرسول في إطار ما فوّضه الله والله أذن له أن يشرع . ويتابع الحق : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } [ النساء : 64 ] . وظلم النفس : أن تحقق لها شهوة عاجلة لتورثها شقاء دائماً . وظلم النفس أشقى أنواع الظلم ، فمن المعقول أن يظلم الإنسان غيره ، أما أن يظلم نفسه فليس معقولاً ، وأي عاصٍ يترك واجباً تكليفياً ويقبل على أمرٍ منهي عنه ، قد يظن في ظاهر الأمر أنه يحقق لنفسه متعة ، بينما هو يظلم نفسه ظلماً قاسياً فالذي يترك الصلاة ويتكاسل أو يشرب الخمر أو يرتكب أي معصية نقول له : أنت ظلمت نفسك لأنك ظننت أنك تحقق لنفسك متعة بينما أورثتها شقاءً أعنف وأبقى وأخلد ، ولست أميناً على نفسك . والنفس - كما نعلم - تطلق على اجتماع الروح بالمادة ، وهذا الاجتماع هو ما يعطي النفس الإنسانية صفة الاطمئنان أو صفة الأمارة بالسوء ، أو صفة النفس اللوامة . وساعة تأتي الروح مع المادة تنشأ النفس البشرية . والروح قبلما تتصل بالمادة هي خيّرة بطبيعتها ، والمادة قبلما تتصل بالروح خيرة بطبيعتها فالمادة مقهورة لإرادة قاهرة وتفعل كل ما يطلبه منها . فإياك أن تقول : الحياة المادية والحياة الروحية ، وهذه كذا وكذا . لا . إن المادة على إطلاقها خيّرة ، طائعة ، مُسَخَّرة ، عابدة ، مُسبِّحة . والروح على إطلاقها كذلك ، فمتى يأتي الفساد ؟ . ساعة تلتقي الروح بالمادة ويوجد هذا التفاعل نقول : أنت يا مكلف ستطمئن إلى حكم الله وتنتهي المسألة أم ستبقى نفسك لوّامة أم ستستمرئ المعصية وتكون نفسك أمارة بالسوء ؟ فمَن يظلم مَن إذن ؟ . إنه هواك في المخالفة الذي يظلم مجموع النفس من روحها ومادتها . فأنت في ظاهر الأمر تحقق شهوة لنفسك بالمخالفة ، لكن في واقع الأمر أنك تتعب نفسك ، { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ … } [ النساء : 64 ] . ولنعلم أن هناك فرقاً بين أن يأتي الفاحشة إنسانَ ليحقق لنفسه شهوة . وأن يظلم نفسه ، فالحق يقول : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ … } [ آل عمران : 135 ] . إذن فارتكاب الفاحشة شيء وظلم النفس شيء آخر ، " فعل فاحشة " قد متع إنسان نفسَه قليلاً ، لكن مَنْ ظلم نفسه لم يفعل ذلك . فهو لم يمتعها ولم يتركها على حالها ، إذن فقد ظلم نفسه لا أعطاها شهوة في الدنيا ولم يرحمها من عذاب الآخرة ، فمثلاً شاهد الزور الذي يشهد ليأخذ واحدٌ حقَّ آخر ، هذا ظلم قاسٍ للنفس ، ولذلك قال الرسول : " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بِعرضٍ من الدنيا " . { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ … } [ النساء : 64 ] . وظلم النفس أيضاً بأن يرفع الإنسان أمره إلى الطاغوت مثلاً ، لكن عندما يرفع الإنسان أمره للحاكم ، لا نعرف أيحكم لنا أم لا وقد يهديه الله ساعة الحكم . إن قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ … } [ النساء : 64 ] فالمسألة أنهم امتنعوا من المجيء إليك يا رسول الله فأول مرتبة أن يرجعوا عما فعلوه ، وبعد ذلك يستغفرون الله لأن الذنب بالنسبة لعدم مجيئهم للرسول قبل أن يتعلق بالرسول تعلق بمن بعث الرسول ، ولذلك يقولون : إهانة الرسول تكون إهانة للمرسِل فصحيح أن عدم ذهابهم للرسول هو أمر متعلق بالرسول ولكن إذا صعدته تجده متعلقاً بمن بعث الرسول وهو الله ، لأن الرسول لم يأت بشيء من عنده ، وبعد أن تطيب نفس الرسول فيستغفر الله لهم ، إذن فأولاً : يجيئون ، وثانياً : يستغفرون الله وثالثاً : يستغفر لهم الرسول . وبعد ذلك يقول سبحانه : { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } [ النساء : 64 ] إذن فوجدان الله تواباً رحيماً مشروط بعودتهم للرسول بدلاً من الإعراض عنه ثم أن يَستغفروا الله لأن الله ما أرسل من رسول إلا ليطاع بإذنه ، فعندما تختلف معه لا تقل : إنني اختلفت مع الرسول لا ، إنّك إن اختلفت معه تكون قد اختلفت مع من أرسله وعليك أن تستغفر الله . ولو أنك استغفرت الله دون ترضية الرسول فلن يقبل الله ذلك منك . فلا يقدر أحد أبداً أن يصلح ما بينه وبين الله من وراء محمد عليه الصلاة والسلام . وحين يفعلون ذلك من المجيء إلى الرسول واستغفارهم الله واستغفار الرسول لهم سيجدون الله تواباً رحيماً ، وكلمة " توّاب " مبالغة في التوبة فتشير إلى أن ذنبهم كبير . إن الحق سبحانه وتعالى خلق خلقه ويعلم أن الأغيار تأتي في خواطرهم وفي نفوسهم وأن شهواتهم قد تستيقظ في بعض الأوقات فتنفلت إلى بعض الذنوب ، ولأنه رب رحيم بيّن لنا ما يمحص كل هذه الغفلة ، فإذا أذنب العبد ذنباً أَرَبُّهُ الرحيم يتركه هكذا للذنب ؟ لا ، إنه سبحانه شرع له العودة إليه لأن الله يحب أن يئوب عبده ويرجع إليه وإن غفل بمعصيته . إن الحق سبحانه وتعالى يعلمنا كيف نزيل عنا آثار المعاصي ، فقال : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ … } [ النساء : 64 ] فالعلاج من هذه أن يجيئوك لأنهم غفلوا عن أنك تنطق وتبلغ من قِبَل الحق في التشريع وفي الحكم ، وبعد المجيء يستغفرون الله ويستغفر لهم الرسول ، تأييداً لاستغفارهم لله ، حينئذ يجدون الله تواباً رحيماً . ويقول الحق بعد ذلك : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ … } .