Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 75-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والآية تبدأ بالتعجيب ، ذلك أنه بعد إيضاح لون الجزاء على القتال في سبيل الله كان لابد أن يصير هذا القتال متسقاً مع الفطرة الإنسانية ، ونحن نقول في حياتنا العادية : وما لك لا تفعل كذا ؟ كأننا نتساءل عن سبب التوقف عن فعل يوحي به الطبع ، والعقل . فإن لم يفعله الإنسان صار عدم الفعل مستغرباً وعجيباً . فالقتال في سبيل الله بعد أن أوضح الله أنه يعطي نتائج رائعة ، فالذي لا يفعله يصبح مثاراً للتعجب منه ، ولذلك يقول الحق : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 75 ] أي لإعلاء كلمة الله ، ومرة يأتي القتال وذلك بأن يقف الإنسان المؤمن بجانب المستضعف الذي أوذي بسبب دينه . ويكون ذلك أيضاً لإعلاء كلمة الله . يقول سبحانه : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ … } [ النساء : 75 ] أي أن القتال يكون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين ، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين ، بل إننا نقاتل ولو من باب الإنسانية لأجل الناس المستضعفين في سبيل تخليصهم من العذاب لأنهم ما داموا صابرين على الإيمان مع هذا العذاب ، فهذا دليل على قوة الإيمان ، وهم أولى أن ندافع عنهم ونخلصهم من العذاب . ويعطينا سبحانه ذلك في أسلوب تعجب : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } [ النساء : 75 ] فكأن منطق العقل والعاطفة والدين يحكم أن نقاتل ، فإذا لم نقاتل ، فهذه المسألة تحتاج إلى بحث . وساعة يطرح ربنا مثل هذه القضية يطرحها على أساس أن كل الناس يستوون عند رؤيتها في أنها تكون مثاراً للعجب لديهم ، مثلها مثل قوله الحق : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ … } [ البقرة : 28 ] . يعني كيف تكفرون بربنا أيها الكفار ؟ إن هذه مسألة عجيبة لا تدخل في العقل ، فليقولوا لنا إذن : كيف يكفرون بربنا ؟ { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ … } [ النساء : 75 ] وكلمة { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ … } [ النساء : 75 ] يأتي بعدها " { مِنَ ٱلرِّجَالِ … } [ النساء : 75 ] والمفروض في الرجل القوة ، وهذا يلفتنا إلى الظرف الذي جعل الرجل مستضعفاً ، ومَنْ يأتي بعده أشد ضعفاً . { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } [ النساء : 75 ] فقد بلغ من اضطهاد الكفار لهم أن يدعوا الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها ، والقرية هي " مكة " . وقصة هؤلاء تحكي عن أناس من المؤمنين كانوا بمكة وليست لهم عصبية تمكنهم من الهجرة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم ممنوعون من أن يهاجروا ، وظلوا على دينهم ، فصاروا مسضعفين : رجالاً ونساءً وولداناً ، فالاضطهاد الذي أصابهم اضطهاد شرس لم يرحم حتى الولدان ، فيقول الحق للمؤمنين : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ . . } [ النساء : 75 ] . وهؤلاء عندما استضعفوا ماذا قالوا ؟ . قالوا : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً … } [ النساء : 75 ] وعبارة الدعاء تدل على أنهم لن يخرجوا بل سيظل منهم أناس وثقوا في أنه سوف يأتيهم وليّ يلي أمرهم من المسلمين ، فكأنها أوحت لنا بأنه سيوجد فتح لمكة . وقد كان . لقد جعل الله لهم من لدنه خير وليّ وخير ناصر وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر . هذه الجماعة من المستضعفين منه " سلمة بن هشام " لم يستطع الهجرة ، ومنهم " الوليد بن الوليد " و " عياش بن أبي ربيعة " ، و " أبو جندل بن سهيل بن عمرو " . وسيدنا ابن عباس - رضي الله عنه - قال : لقد كنت أنا وأمي من هؤلاء المستضعفين من النساء والولدان ، وكانوا يضيقون علينا فلا نقدر أن نخرج ، فمثل هؤلاء كان يجب نصرتهم ، لذلك يحنن الله عليهم قلوب إخوانهم المؤمنين ويهيج الحمية فيهم ليقاتلوا في سبيلهم فظلم الكافرين لهم شرس لا يفرق بين الرجال والنساء والولدان في العذاب . { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } [ النساء : 75 ] وكان رسول الله والمسلمون نصراء لهم . ويقول الحق بعد ذلك : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ … } .