Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-89)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و { وَدُّواْ … } [ النساء : 89 ] ضميرها يعود على المنافقين الذين اختلف فيهم المسلمون إلى فئتين ، وحكم الله في صالح الفئة التي أرادت أن تقف منهم موقف القوة والبطش والجبروت ، فقال سبحانه وتعالى تعليلاً لنفاقهم : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ … } [ النساء : 89 ] ثم إن تفاقهم معناه قلق يصيبهم من مستوى حالهم مع مستقبل الإسلام أو حاضره لأنهم كافرون بقلوبهم ، ولكنهم يخافون أن يظهر الإسلام فيعاملهم معاملة الكافرين به ، فيحاولون أن يظهروا أنهم مسلمون ليحتاطوا لنصرة الإسلام وذيوعه ، فهم في كرب وتعب ، وهذا التعب يجعلهم يديرون كثيراً من الأفكار في رءوسهم : يقولون نعلن أمام المسلمين أننا مسلمون ، ونعلن أمام الكافرين أننا كافرون . وما الذي ألجأهم إلى هذا الحال ، وقد كانوا قديماً على وتيرة واحدة ، ألسنتهم مع قلوبهم قبل أن يجيء الإسلام ؟ إذن فالذي يعيدهم إلى حالة الاستقرار النفسي وينزعهم من القلق والاضطراب والخوف على حاضرهم ومستقبلهم هو أن تنتهي قضية الإسلام ، فلا يكون هناك مسلمون وكافرون ومنافقون . بل يصير الكل كافراً . { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ … } [ النساء : 89 ] والودادة عمل القلب ، وعمل القلب تخضع له جميع الجوارح إن قدرت ، فما داموا يودون أن يكون المسلمون كافرين ، إذن سيقفون في سبيل انتصار المسلمين ، وسيضعون العقبات التي تحقق مطلوبات قلوبهم . لذلك فاحذروهم ، سأفضح لكم أمرهم لتكونوا على بينة من كل تصرفاتهم وخائنات أعينهم وخائنات ألسنتهم . { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ … } [ النساء : 89 ] ونعرف أن كلمة " الكفر " تعني " الستر " ، فالفعل " كفر " معناه " ستر " . ومن عظمة الإيمان بالإسلام وعظمة الحق في ذاته هو أنه لا يمكن أبداً أن يطمسه خصومه ، فاللفظ الذي جاء ليحدد المضاد لله هو عينه دليل على الإيمان بالله . فعندما نقول : " كفر بالله " أي " ستر وجوده " ، كأنه قبل أن يستر الوجود فالوجود موجود ، ولذلك نجد أن لفظ " الكفر " نفسه دليل على الإيمان ، فلفظ " الكفر " في ذاته تعني إيماناً موجودا يجاهد صاحبه نفسه أن يغطيه ويستره . { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ … } [ النساء : 89 ] . وهذا القول جاء بعد أن قال الحق : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ … } [ النساء : 88 ] . ويدل على أنهم يوصفون مرة بالمنافقين ويوصفون مرة بالكافرين . وسماهم الله في آية بـ " المنافقين " ويصفهم الحق في هذه الآية بأنهم كفروا { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ … } [ النساء : 89 ] والكفر الذي يجيء وصفه هنا يدل على مكنون القلب ، فالنفاق لم يعطهم إلا ظاهريات الإسلام ، لكن الباطنيات لم يأخذوها ، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار في الآخرة وإن كانوا في الدنيا يعاملون معاملة المسلمين احتراماً لكلمة " لا إله إلا الله محمد رسول الله " . لكن الله يعاملهم في الآخرة معاملة الكافرين ، ويزيد عليهم أنهم في الدرك الأسفل من النار . إذن فأصحاب الباطل إن كانت لهم قوة يجعلون لسانهم مع قلوبهم في الجهر بالباطل ، وإن كان عندهم ضعف يجعلون قلوبهم للباطل ولسانهم للحق . وهذه العملية ليست مريحة في كلا الموقعين . فالمريح لهم ألاَّ توجد للحق طائفة . لذلك يقول سبحانه وصفاً لحقيقة مشاعرهم : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً … } [ النساء : 89 ] . فهم يتمنون إزالة طائفة الحق حتى لا يكون هناك أحد أفضل من أحد ، مثلما نقول : مفيش حد أحسن من حد . مثال ذلك : نجد مجموعة من الموظفين في مصلحة حكومية ، ويكون من بينهم واحد مختلس أو لا يؤدي عمله على الشكل الراقي المطلوب ، لذلك فهو لا يحب أن يؤدي الآخرون أعمالهم بمنتهى الإتقان ، ويريدهم فاسدين ، ويحاول أن يغريهم بالفساد حتى يكونوا مثله كي لا يظهروه أمام نفسه بمظهر النقيصة . وحتى لا يكون مكسور العين أمامهم . ومن العجيب أننا نجد الذي يسرق يحترم الأمين ، وكثيراً ما نسمع عن لص من فور ما يعلم أن هناك كميناً ينتظره ليقبض عليه فهو يبحث عن رجل أمين يضع عنده المسروقات كأمانة . وقول الحق عن أمنية المنافقين الكافرين بقلوبهم هو أن يكون المؤمنون مثلهم { فَتَكُونُونَ سَوَآءً … } [ النساء : 89 ] . وهذه شهادة في أن صاحب الباطل يحب من صاحب الحق أن يكون معه لأنه حين يجده في الحق ، فصاحب الباطل يحتقر نفسه ، وقد حدثت العجائب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد كفروا به وعذبوا صحابته ، ولكنه هو الأمين باعترافهم جميعاً . فها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم يهاجر من مكة وخلف " عليا " كرم الله وجهه ليرد الودائع والأمانات التي عنده . هم كذبوه في الرسالة ، ولكنه الأمين باعترافهم جميعاً لذلك أودعوا عنده الأمانات . إذن فصاحب الفضيلة محترم حتَّى عند صاحب الرذيلة . وحتى نتعرف تماماً على هذا المعنى ، فلنفترض أن إنساناً وقع في مشكلة ، سبّ أحداً من الناس ورفع المعتدي عليه دعوى فضائية على هذا المعتدي الذي سبّه ، ولهذا المعتدي صديق عزيز ، استشهد به المعتدي عليه ، فيقول المعتدي : أتشهد عليّ ؟ ويذهب الصديق إلى المحكمة ليقول : " لا يقول صديقي مثل هذا السباب " . وهنا شهد الصديق لصديقه شهادة زور . ولنفترض أن هذا المعتدي قد تاب وأناب وصار من الأتقياء ، وجعله الناس حكماً بينهم ، وجاء له الصديق الذي شهد الزور من أجله ليشهد أمامه ، فهل يقبل شهادته ؟ طبعاً لا . إذن صاحب الفضيلة محترم حتى عند صاحب الرذيلة ، فإذا ما حاول أحد من أصحاب الرذيلة أن يشد صاحب الفضيلة إلى خطأ ، فهو يسعى إلى إضلاله ، وينطبق على ذلك قول الحق : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً . . } [ النساء : 89 ] وما دام هذا هو هدفهم وفكرتهم ألا يتركوا المؤمنين على إيمانهم ، لأجل أن يأخذوهم إلى صف الكفر . وهم بذلك كمنافقين كفار قلوب غير مخلصين لصف الإيمان . وهم لا يقفون من الإيمان موقف الحياد ، ولكنهم يقفون منه موقف العناد والعداوة . { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً … } [ النساء : 89 ] وفي هذا تحذير واضح للمؤمنين هو : إياكم أن تأمنوهم على شيء يتعلق بمصالحكم وإيمانكم . ويصدر الحق الحكم في هذه القضية بمنتهى الوضوح : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ … } [ النساء : 89 ] أي إياكم أن تتخذوا من المنافقين نصراء لكم أو أهل مشورة لأن الله سبحانه فضح لكم دخائل نفوسهم ، وهذه المسألة ليست ضربة لازب ، فإن آب الواحد منهم وأناب ورجع إلى حظيرة الإيمان فلن يرده الله ، فسبحانه وتعالى لا يضطهد أحداً لمجرد أنه ارتكب الذنب لأنه الحق غفور ورحيم ، فما دام قد عاد الإنسان إلى الصواب وبَعُد عن الخطأ ، فعلى المؤمنين أن يقبلوا من يعود إليهم بإخلاص ، فالكراهية لا تنعقد ضد أحد لأنه أخطأ لأن الكراهية تكون للعمل الخطأ ، وليست موجهة ضد الإنسان المخلوق لله ، فإن أقلعوا عن الخطأ فهم مقبولون من المؤمنين . وها هو ذا قاتل زيد بن الخطاب يمر أمام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال له بعض الناس ها هو ذا قاتل أخيك زيد . فيقول عمر بن الخطاب : وماذا أفعل به وقد هداه الله للإسلام ؟ ! وهكذا نرى أن الكراهية لم تتعد إلى ذات القاتل ، ولكن الكره يكون للفعل ، فإن أقلعت الذات عن الفعل فالذات لها مكانتها . وهكذا يصدر الحكم الرباني : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ النساء : 89 ] . والهجرة في سبيل الله كانت تكلف الإنسان أن يخرج من ماله ومن وطنه ومن أهله ، ويذهب إلى حياة التقشف والتعب والمشقة ، وفي هذا ما يكفر عنه ، ويتعرف المؤمنون هنا أنه قد تاب إلى الله فتاب الله عليه وآن له الأوان أن يدخل في حوزة الإيمان . فإن فعل ذلك فقد عاد إلى الإيمان . ولذلك يجب على الناس أن يفصلوا الذوات عن الأفعال . لماذا ؟ لأن الذوات في ذاتها لا تستحق أن تكره ، وإنما يكره فعل الذات إن كان قبيحاً سيئاً . وحين نقرأ القرآن نجده يعرض مثل هذه المسألة ، فسيدنا نوح عليه السلام عندما تلقى وحي الله بأن يصنع السفينة ، وجلس يصنعها ويمر عليه الناس فيسخرون منه فيقول لهم سيدنا نوح : سنسخر منكم غداً كما تسخرون منا . ويأتي له ابن ليس على منهجه ، فيدعوه نوح إلى المنهج فيقول الابن : " لا " . ويركب نوح السفينة ويقول لله : لقد وعدتني أن تنجيني أنا وأهلي . وهنا يوضح الحق : صحيح أنا أنجيك أنت وأهلك ، ولكن ما الذي جعلك تعتبر ابنك من أهلك ، إن الذوات عند الأنبياء لا نسب لها ، إنما نسب الأنبياء الأعمال : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } [ هود : 46 ] . إن العمل هو الذي يتم تقييمه . ولذلك يقول الحق : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ النساء : 89 ] والهجرة من " هجر " ، و " هجر " يعني أن الإنسان قد عدل من مكان إلى مكان ، أو عن ود إلى ود ، أو عن خصلة إلى خصلة ، والذي يَهجر عادة يتجنى على من " هُجر " ، لنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في كتابه عندما يأتي بالحدث . يأتي بـ " هاجر " ، ولم يأت بالحادث " هجر " ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر مكة . ولكنه هاجر منها ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " والله إنك لأحب أرض الله إليّ وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " . فالهجرة جاءت لأن أهل مكة هجروه أولاً ، فاضطر أن يهاجر . و " هاجر " على وزن " فاعل " . والمتنبي يقول : @ إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همو @@ ولذلك جاء الحق بالهجرة على صيغة المفاعلة . لقد كرهوا دعوته . واستجاب الرسول للكراهية فهاجر . ويوضح سبحانه أن الذي يخلص هؤلاء المنافقين من حكمنا عليهم ، ألا يتخذ المؤمنون منهم أولياء هو : أن يهاجروا في سبيل الله لأن ذلك هو حيثية صدق الإيمان . فالمهاجر يحيا عيشة صعبة . وقد عاش المهاجرون على فيض الله من خير الأنصار ، ولم يؤسسوا حياتهم بشكل لائق . إذن فمَنْ ينضم إلى ذلك الموكب هو مؤمن اشترى الإيمان وقدر على أن يكفِّر عما بدر منه . فليست الهجرة مجرد هجرة ، ولكنها هجرة في سبيل الله . ولذلك نرى القاعدة الإيمانية في الحديث النبوي : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى ، فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . وهكذا يعامل المؤمنون المنافق إن عاد من كفره ونفاقه إلى الإيمان . لكن ماذا لو تولّى المنافقون ؟ . { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 89 ] والأخذ إذا جاء في مقام النزاع فمعناه الأسر . وقتلهم في ساحة أمر واجب ، ولا يصح أن يتخذهم المؤمنون أولياء أو نصراء لأن الواحد من المنافقين يكون دسيسة على المؤمنين ، ويحاول أن يعرف أمور وأحوال المسلمين ، ويطلع خصوم الإسلام على ما يمكن أن ينفذ منه العدو إلى المسلمين . ويستميت ليعرف ما يبيت المسلمون للكافرين . واتخاذ الولي أو النصير ممن نعلم أنه لا يحب الإيمان وليس على مبدأ الإسلام وعقيدته أمر يشكك في صدق بصيرة الإنسان الذي يتولى ويود غير المسلمين المخلصين . فحين يرى الواحد منا إنساناً آخر لا يحبه ويكيد المكائد ، وعندما يراك تثق فيه وتحسن إليه ، يقول هذا الكاره : هذا إنسان فاقد البصيرة فلو عرف ما في قلبي لما فعل ذلك . فإذا اتخذ المؤمنون من المنافقين أولياء أو نصراء والمنافقون على ما هم عليه من نفاق لقال المنافقون : إن المسلمين فاقدوا البصيرة وهم لا يعلمون ما في قلوبنا ، لذلك ينير الحق بصيرة المؤمنين حتى لا نأخذ رأياً من المنافقين ينال منا . وقد يقول المنافقون : إن هؤلاء المسلمين ليس لهم ربٌّ يبصرهم ، فلماذا يدعون أن لهم إلهاً ؟ لو كان لهم إله لبصرهم بما في نفوسنا . ونجد هذا الفضح لهم عندما يقول الحق : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . وعدم تعذيب الحق له وقت كفرهم له فائدة ورحمة سيدركونها فيما بعد . فمن هؤلاء من سيكون سيفاً للإسلام بعد أن كان سيفاً على الإسلام فقد ادخرهم الله ليكون بعض منهم سيفاً للإسلام ، فها هو ذا ابن الوليد يهتدي ، وها هو ذا عمرو بن العاص ، وها هو ذا عكرمة بن أبي جهل ، هؤلاء سيكونون سيوفاً للإسلام ، ولا يظنن منهم أحد أنه سترَ مكنونَ نفِسه عن الله : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . هذا القول قد أدى أمرين : الأمر الأول : وضح أن هناك رباً مطلعاً على خائنة الأعين وخفايا الصدور . والأمر الثاني : أوضح أن الله لم يعذبهم لأن منهم من سيمس الإيمان قلوبهم وسيكونون سيوفاً للإسلام وسيخرج من ذريتهم قادة يحملون الدعوة لله . ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاءه جبريل وقال له : " إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمرهُ بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال يا محمد : إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربّك إليك ليأمرني بأمرك مما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً " . وقد حدث ذلك . إن أسلوب معاملة المنافقين يحدده الله في هذه الآية بما يلي : هم قومٌ الكفر يسكن القلب منهم ومظهرهم يَدَّعي الإسلام ويتمنون أن يكون المؤمنون على شاكلتهم ، فلذلك لا يتخذ المسلم ولياً من المنافقين ولا نصيراً . ولكن إن هاجر المنافق فرحابة الإيمان تتسع له ، أما إن تولّى المنافق وأعرض عن ذلك . فأسلوب المعاملة يكون كما يحدده الله : { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 89 ] لكن بعد أن يُطلق هذا الأمر توجد عقبة في تنفيذه ، إنها عقبة الأحلاف والعهود والمواثيق التي كان يعطيها رسول الله لبعض القبائل ، وكانت هذه العهود تتلخص في أن الرسول يعاهد بعض القبائل بعدم الإغارة على المسلمين وعدم إغارة المسلمين عليهم . ولذلك يحترم الحق هذه المواثيق والأحلاف . إن الحق يوضح لنا : لا تأخذوا هذا الأمر أيها المسلمون على إطلاقه لأن الإسلام دين الوفاء بالعهود ، وقد أعطيتم بعض القبائل عهوداً بأن من لجأ إليهم يؤمنونه ويدخل في حمايتهم ، وكذلك الذي يصل ويلجأ إلى المسلمين فعليهم حفظه ومنع التسلط عليه . لذلك قال الحق في هذا الاستثناء : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ … } .