Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 91-91)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تبدأ هذه الآية بفعل يتحدث عن المستقبل : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ … } [ النساء : 91 ] . معنى ذلك أن المسلمين لحظة نزول هذه الآية لم يكونوا قد وجدوا مثل هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم الحق ، ولو لم يحدث للمعاصرين لنزول القرآن أن وجدوا مثل هؤلاء ماذا كانوا يقولون عن هذا الخبر ؟ . لو لم يجدوا مثل هؤلاء القوم لتشككوا في القرآن . وسبحانه يوضح أني عين معكم ، وعين لكم ، أخبرتكم بما حدث واختلفتم فيه ، وأخبركم بما لم يصل إلى أذهانكم وعلمكم فلا تختلفوا فيه ، وهذا دليل على أنكم في رعايتي وفي عنايتي . { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ … } [ النساء : 91 ] وهؤلاء القوم هم قوم من بني أسد وعطفان ، وكانوا على مشارف المدينة ، وكانوا يقابلون المسلمين فيقولون : " نحن معكم " ، وكانوا أيضاً يقابلون الكفار فيقولون : " نحن معكم " ، والحقيقة أنهم عاجزون عن مواجهة أي معسكر . ولذلك يصفهم القرآن : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا … } [ النساء : 91 ] . وهؤلاء كلما جاءهم الاختبار { أُرْكِسُواْ فِيِهَا … } [ النساء : 91 ] . أي فشلوا في الاختبار ، فعناصرهم الإيمانية لم تقو بعد ، وما زالوا في حيرة من أمرهم . وعندما جاءتهم الفتنة لتصهرهم وتكشف ما في أعماقهم ازدادت حيرتهم ، فالفتنة هي اختبار ، وليت الفتنة شيئاً مذموماً ، وعندما يقال : إن فلاناً في فتنة فعلى المؤمن أن يدعو له بالنجاح فيها ، فالفتنة ليست مصيبة تقع ، ولكن المصيبة تقع إذا رسب الإنسان في الفتنة . ونعلم أن الفتنة مأخوذة من الأمر الحسي ، فتنة الذهب وكذلك الحديد : فتنة الذهب هي صهر الذهب في البوتقة حتى ينصهر فتطفو كالزبد كلُّ العناصر الشائبة المختلطة بالذهب ، وكذلك الحديد ، يتم صهره حتى تنفصل الذرات المتماسكة بعضها عن بعض . ويطفو الخبث . ونعرف أن الحديد أنواع : فالحديد الزهر شوائبه ظاهرة فيه وسهل الكسر . بينما نجد الحديد الصلب بلا خبث فهو صلب . وفتنة الذهب والحديد تكشف عن المعادن الغريبة المختلطة بها . ونقلت كلمة " الفتنة " من المحسات إلى المعاني ، وصارت الفتنة هي الاختبار الذي ينجح فيه الإنسان أو يرسب ، فهي ليست ضارة في ذاتها ، ولكنها ضارة لمن يرسب فيها . وهكذا كان تنبؤ القرآن الذي يخبر المسلمين بأمر قوم على حدودهم ، تجعلهم الفتنة لا يقوون على الإيمان ، أي فكلما دعاهم قومهم إلى الشرك وقتال المسلمين رُدُّوا على أعقابهم وانقلبوا على رءوسهم أقبح قلب وأشنعه وكانوا شرّاً من كل عدو عليكم ، ويشرح القرآن كيفية سلوك المؤمنين تجاه هؤلاء المرتكسين والمنقلبين في الفتنة : { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [ النساء : 91 ] ونلحظ أن الحق أمر بتأمين من لجأوا بضعفهم على الرغم من نفاقهم إما إلى المسلمين وإما إلى حلفاء المسلمين حين قال في الآية السابقة : { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } [ النساء : 90 ] . وهذا إنصاف وتنبيه إلهي من الحق ألا يسمع أحد صوت حفيظته ويفترس قوماً ضعفاء . أما الذين يحاولون التمرد والاستسلام لصوت الكفر وإيقاع الأذى بالمسلمين ، ولم يلقوا بالسلم للمسلمين ويكفوا أيديهم عنهم ، هؤلاء يأتي فيهم الأمر الإلهي : خذوهم واقتلوهم . وجعل الله للمسلمين على هؤلاء السلطانَ المبين . والسلطان - كما نعرف - هو القوة ، والقوة تأخذ لونين : هناك قوة تقهر الإنسان على الفعل كأن يأتي واحد ويأمر إنساناً بالوقوف فيقف ، وكأنْ يأمر القويُّ الضعيفَ بالسجود فيسجد . وهذا سلطان القوة الذي يقهر القالب ، لكنه لا يقدر على قهر القلب أبداً . والسلطان الثاني هو سلطان الحجة ، وقوة المنطق وقوة الأداء والأدلة التي تقنع الإنسان أن يفعل . والفارق بين سلطان القوة وسلطان الحجة أن سلطان القوة قد يقهر الإنسان على السجود ، لكن سلطان الحجة يجعل الإنسان يسجد بالاقتناع . والسلطان المبين الذي جعله الله للمؤمنين على المنافقين الذين يقاتلون المؤمنين ، هذا السلطان يمكن لكم أيها المسلمون قوة تفعلون بها ما تريدون من هؤلاء ما داموا حاولوا القتال وإلحاق الأذى بالمسلمين ، فالحزم والعدل هو أخذهم بالعنف . وحتى نفهم معنى السلطان جيداً فلنتذكر الجدل الذي سيحدث في الآخرة بين الشيطان والذين اتبعوا الشيطان ، سنجد الشيطان يقول : لقد أغويتكم ، هذا صحيح ، وأنتم اتبعتموني ، فأنتم المسئولون عن ذلك ، فلم يكن لي عليكم من سلطان قوة أو سلطان إقناع : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي … } [ إبراهيم : 22 ] . وبعد أن تكلم الحق عن القتال ومشروعيته ، وقتال المنافقين ، وقتال الآخرين . نجد الكلام يصل إلى موضوع القتل . فأوضح لهم : المسألة أنني أنا الذي عملت البنيان الآدمي ، والحياة أنا الذي أهبها ، وليس من السهل لباني البنيان أن يحرض على هدمه ، إنما أنا أحرض على هدم هؤلاء الذين يقاتلونكم لكي يسلم باقي البنيان لكم ، وإياكم أن تجترئوا على بنيانات الناس ، فملعون مَنْ يهدم بنيان الله فالنفس التي خلقها الله ، إياك أن تقترب من ناحيتها إلا بحقها وذلك بأن اجْتَرَأَتْ على حدود الله لأنه سبحانه هو الذي خلق الحياة وهو الذي يأخذ الحياة ، وحياة الناس ليست ملكاً لهم فحياة الإنسان نفسه ليست ملكاً لنفسه ، ولذلك فمن يقتل واحداً ، عُدْواناً دون حق نقتص منه ، وأما إن كان ذلك قد قتل خطأ فنأخذ منه الدية ، وتنتهي المسألة . لكن قاتل نفسه تحرم عليه الجنة . إذن فقبل أن يقول لي : لا تقتل غيرك قال لي : إياك وأن تقتل نفسك . إذن فسبحانه ليس بغيور فقط على الناس منك ، بل يغار عليك أيضاً من نفسك ، ولذلك فحين شرع سبحانه القصاص في القتل شرعة ليحميك لا ليجرئك على أن تقتل ، أما عندما يأمر سبحانه : أن من قَتَلَ يُقتل . فهو يقسط ويعدل ، والقصد من هذا الحفاظ على حياتين لأنك إن علمت أنك إن قَتَلْتَهُ قُتِلْت لا تقتل . وما دمت لا تقتل فقد حميت حياتين حياة من كنت ستقتله وحياتك من أن يُقتص منك وهذا هو معنى قوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ … } [ البقرة : 179 ] . إذن فالذي يتفلسف ويقول : هذه بشاعة وكذا وكذا نقول له : الذي يشرع القصاص أيريد أن يَقتل ؟ لا ، بل يريد أن يحمي حياتك لأن القاتل عندما يعلم أنه إن قَتَلَ يُقتل فلا يقتل ، وما دام لا يقتل نكون قد حافظنا على حياته وحياة الآخر . إذن فقوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ … } [ البقرة : 179 ] قول صدق . وعندما تكلم الحق عن القتال والقتل ينبهنا : إياكم وأن تجترئوا بسبب هذه المسائل على دماء الناس ولا على حياتهم لذلك يتكلم سبحانه عن القتل المحظور في الإيمان والإسلام ويقول : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً … } .