Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 12-12)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى حينما تكلَّم عن العقائد وأيَّدها بالمعجزات ، كان من الواجب أن نستقبل أحكامه تعالى فيها بالرضا والقبول ، فلم يكلفنا سبحانه بحكم افعل ولا تفعل إلا بعد أنْ قدَّم حيثيات الإيمان الأعلى بالإله الأعلى ، وآمن مَنْ آمن به وكفر مَنْ كفر رغم كل مصالحنا في تنظيم حركة الحياة بمنهج الله . فإذا حكم علينا بحكم فيجب أن نطيعه ، وإذا استقر في أذهانكم شيء يخالف ذلك فإنَّ واقعكم يؤيد أنكم لم تؤمنوا بقلوبكم { ذَلِكُم } [ غافر : 12 ] أي : ما يحدث منكم من مواجهة الدعوة ومصادمتها ووقوفكم هذا الموقف المعادي ناشئ من { إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } [ غافر : 12 ] أي : كفرتم به . وفي موضع آخر قال سبحانه : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45 ] . أي : ظهر عليه الامتعاض والضيق لما سمعوا كلمة الله ، لماذا ؟ لأنهم يعلمون معنى الإيمان وما يترتب عليه من تكليف بمنهج : افعل كذا ولا تفعل كذا ، يعلمون أن هذا المنهج يقيد شهواتهم فينهاهم عن أشياء مُحبَّبة إليهم ويدعوهم إلى أشياء أخرى ثقيلة على نفوسهم ، لذلك إذا ذكَّرتهم بالله وبمنهج الإيمان امتعضوا في حين إذا ذكر غيره سبحانه من آلهتهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45 ] ويفرحون ، لماذا ؟ لأن هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله ليس لها مطلوب ولا تكاليف بافعل ولا تفعل . إذن : أنتم مع هذه العبادة متروكون على هواكم ، وعلى سيئات نفوسكم ، هذا معنى الاستبشار ومعنى { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } [ غافر : 12 ] . لكن بقيتْ حقيقة ينبغي ألاَّ تغيب عن أذهانكم : { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] فافرحوا بآلهتكم المزعومة كما تشاؤون ، فأنا سأحكمكم بقدري قهراً عنكم فأمرضكم كما أحب ، وأميتكم متى أشاء وأُفقركم وأغنيكم … إلخ فلن تخرجوا أبداً بشيء عن ملكي إلاَّ فيما جعلتُ لكم فيه اختياراً . فأنتم مختارون في الإيمان والكفر فمَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر ، مَنْ شاء فليطع ومن شاء فَليعصِ ولن تنفعني طاعتكم ، ولن تضرني معاصيكم ، ومهما تمردتم في الأمور التي لكم فيها اختيار فإنَّ مردكم إليَّ ومنتهاكم عندي . { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] الذي لا يمكن أبداً لأحد أنْ يتمرد على قدره ، فإن كنتم ألفتم التمرد في الإيمان وفي الطاعة فأرُوني كيف تتمرَّدون على الله فيما لا اختيارَ لكم فيه . ثم يذكر الحق سبحانه حيثيات العلو والكبرياء له سبحانه : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ … } .