Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 11-11)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لنفهم معنى { أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } [ غافر : 11 ] لابدَّ أن نعرف ما هو الموت أولاً ، الموت هو إذهاب الحياة بعد أنْ كانت موجودة ، فما دام سيكون الموت فهو دليل على الحياة قبله ، والموت أيضاً يعني عدم الحياة مطلقاً ، يعني : عدم لم تسبقه حياة مطلقاً . لذلك قال سبحانه : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 28 ] وهذا استفهام للتعجب يعني : قولوا لنا كيف يتأتَّى منكم الكفر { وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ } [ البقرة : 28 ] أي : كنتم عدماً فوهبكم الحياة { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } [ البقرة : 28 ] أي : يُذهب الحياة الموجودة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] أي : في الآخرة . إذن : فالموت مرتان والحياة مرتان كذلك ، والخلاف في هذه المسألة : أيكون الموت بعد حياة ؟ أم يكفي أن يكون عدمٌ تأتي بعده الحياة ؟ نقول : الموت هو العدم المطلق ، سواء كان قبله حياة أم لم تكن قبله حياة ؟ وأنت مثلاً ترى البعوضة صغيرة ، والفيل ضخماً كبيراً فتقول : سبحان مَنْ صغّر البعوضة وكبّر الفيل ، أكانت البعوضة كبيرة ثم صغّرها الله أم خُلقت هكذا ؟ إذن : الموت ليس من الضروري أن يسبقه حياة ، فيكفي أنه لم تكُنْ فيه حياة ، بعد ذلك أحيانا الله واستوفينا الأجل في الدنيا ثم يأتي الموت . إذن : الآية جمعت بين المعنيين : الموت المطلق أو العدم الذي لم تسبقه حياة ، والموت بمعنى نَقْض الحياة الموجودة بالفعل ، فقال سبحانه : { أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } [ غافر : 11 ] . بعضهم يرى أن الموت الأول هو إذهاب الحياة بعد انقضاء الأجل ، ثم يحيا في القبر للسؤال ثم يموت في القبر ثم يُبعث يوم القيامة ، والأول الذي اخترناه أليق . وقوله سبحانه : { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] الاستفهام في { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] استفهام للتمني لكن هيهات ، فلو رُدُّوا لَعَادوا لما كانوا عليه ، فلا فائدةَ من تكرار هذه التجربة ، والحق سبحانه بيَّن هذه المسألة في قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } [ المؤمنون : 100 ] . ولو رُدُّوا لعادوا بطباع الشر فيهم وكفروا ، والخروج أي من المأزق الذي نحن فيه ومن العذاب الذي نعاينه { مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] من طريق للخروج وللنجاة . هذا الذي ذكرناه خاصٌّ بحياة القوالب وموتها ، أما حياة القلوب والأرواح فلها طريق آخر ، ذكره الحق سبحانه في قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [ الأنفال : 24 ] . لا شكَّ أنه سبحانه يخاطبهم وهم أحياء الحياة المادية إذن : هناك حياة أخرى يدعوهم إليها ، إنها حياةُ المعنويات التي لا يأتي بعدها موت وهي الحياة في الجنة . إذن : عندنا حياة للمادة بها تحيا وتتحرك وتأكل وتشرب وتنشط ، وهناك حياة أخرى معنوية بها تدخل الجنة حيث نعيمٌ بلا فَوْت ، وحياة بلا موت . الحياة المادية لها روح تناسبها وهي حياة تنتهي بالموت ، أما حياة القيم والمعنويات فلا بدَّ لها من روح عُلْوية تأتي بالالتزام بالمنهج في : افعل ولا تفعل ، لذلك يسميها الله روحاً : { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وسمُّي مَنْ يحملها روحاً : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] . وكل من الحياتين لها ما يناسبها من البقاء ، فالأولى موقوتة بالأجل ، والأخرى ممتدة باقية لذلك قلنا في الشهيد الذي جاد بنفسه وأنهى حياته في سبيل منهجه أن الله يُجازيه على ذلك بأنْ يعصمه من الموت بعد ذلك .