Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 30-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يستمر الرجل المؤمن في نُصْحه لقومه ، فكلمة فرعون لم تُخفهُ ولم تصدّه عن دعوته ، فيقول : { يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } [ غافر : 30 ] يعني : إنْ كنتم ظاهرين الآن في الأرض ولكم الغلبة ، فلستم أظهر ممن سبقوكم في موكب الرسالات من أول نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } [ غافر : 31 ] . وقد أرانا الله العجب فيمن كذَّب الرسل { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت : 40 ] . إذن : عليكم أنْ تأخذوا ممن سبقوكم في التكذيب عبرة ، خاصة وأنتم تشاهدون آثارهم في الأرض التي تدل على أنهم كانوا أقوى منكم وآثاراً في الأرض ، ومع ذلك لم تنفعهم قوتهم ، ولم تمنعهم آثارهم من بأس الله حين نزل بهم ، وما أبقى الله على هذه الآثار إلا لتكوين عبرة لمن بعدهم { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] . ولو انطمستْ آثارهم لم تكُنْ هناك حجة واقع ، فبقاء الآثار إلى الآن تبين لنا أن الذين صنعوا هذه الحضارات وتركوا هذه الآثار لم يستطيعوا أنْ يحموا حضاراتهم ، وكانوا أكثر منكم قوة وآثاراً في الأرض وعمروها أكثر منكم ، فما دام قد حدث هذا في الواقع وأنتم تشاهدونه فخذوه قولاً من الرسول وواقعاً أمامكم في الكون . ونلاحظ هنا أن كلمة يَوْم جاءت مفردة و الأحزاب جمع فلماذا لم يَقُل مثلاً أيام الأحزاب ، والحزب هم الجماعة المناهضون للرسول المكذبون له ، فحزب مناهض لنوح ، وحزب مناهض لهود ، وآخر لصالح … إلخ . إذن : فالأيام هنا متعددة ، ومع ذلك قال : { مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } [ غافر : 30 ] فوحَّد اليوم وجمع الأحزاب ، لماذا ؟ لأن العملية كأنها حدثٌ واحد مُتحد في الجميع ، وإنْ تعددتْ الأحزاب بتعدُّد الرسل فهو يوم الأحزاب لا أيام الأحزاب ، لأننا لو قلنا : أيام الأحزاب لكان لهذا يوم بسبب ، ولهذا يوم بسبب آخر وهكذا ، لكنه سبب واحد في جميع الحالات ، ألا وهو التكذيب في مقام العقيدة ، وفي مقام تشريع الحق سبحانه للخلق . ثم بعد ذلك يُفصل ما أجملته كلمة الأحزاب : { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } [ غافر : 31 ] يعني : لم يأخذهم هذه الأَخْذة ظلماً لهم ، وكلمة لِلعبَادِ يعني : كيف يظلمهم وهم عباده وصنعته ، إنما أخذهم جزاءَ أفعالهم وتكذيبهم لرسلهم ليكونوا عبرة واقعية في الكون يعتبر بها كل مَنْ يعارض منهج الحق .