Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 32-33)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يوم الأحزاب كان في الدنيا ، أما يوم التناد فيوم القيامة ، فكأنه حذَّرهم بيوم الأحزاب من المصائب التي تأتيهم في دنياهم ، ثم حذرهم بيوم الجزاء يوم القيامة فقال : { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } [ غافر : 32 ] والتناد تفاعل يعني : تناديني وأناديك ، والتنادي يوم القيامة سيكون من وجوه عدة ، يقول تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] وهذا أول نداء ، يقول : يا أمة محمد ، يا أمة عيسى ، يا أمة موسى … إلخ أو أن ينادي بعضهم بعضاً . وقد ذكر الحق سبحانه صوراً متعددة من هذه النداءات ، فقال سبحانه : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] . وقال : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ … } [ الأعراف : 50 ] . وقال : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ … } [ الأعراف : 48 ] وأصحاب الأعراف جماعة استوت حسناتهم وسيئاتهم ولم يدخلوا الجنة ، ومع ذلك يشمتون في الكفار . أو : أن التناد ليس من مناداة بعضنا لبعض ، إنما هو من الفعل ندَّ يعني : بعُد وشرد ، يعني : يوم التناد يوم تشرد مني وأشرد منك ، وهذا مثل قوله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [ عبس : 34 - 36 ] والمراد : يفر منهم وهم كذلك يفرون منه ، فكلٌّ يهرب من الآخر لانشغاله بنفسه . لكن ماذا يقصد الرجل المؤمن بذلك ؟ قالوا : يريد أن يقول لهم : إنْ كنتم تظاهرون بعضاً على الباطل في الدنيا فاعلموا أنكم ستفرون من بعض في الآخرة { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [ غافر : 33 ] . وتأمل هنا حبكة الأداء القرآني ، فحينما يأتي بلفظ يحمل معنيين أو يجمع بين معنيين يأتي بما يدل على كل منهما ، فهنا مثلاً قال { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } [ غافر : 32 ] بمعنى المناداة . وقال : { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [ غافر : 33 ] بمعنى الفرار ، فجمع بين المعنيين في كلمة التناد . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة الرحمن { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] فالشمس والقمر مخلوقات علوية ، والشجر أرضي وبينهما كلمة النجم ولها معنيان : الأول : المتبادر إلى الذِّهْن هو النجم العالي في السماء من جنس الشمس والقمر ، والآخر النجم بمعنى : العُشْب الذي لا ساقَ له ، وهو جنس الشجر . وقوله : { مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر : 33 ] مِنْ عَاصِمْ يعني : لا أحد يستطيع أن يمنعكم من الله ، ولا يدفع عنكم بأساً إنْ نزل بكم { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر : 33 ] يعني : من يحكم الله بضلاله لا يهديه أحد ، لماذا ؟ قالوا : لأن الله تعالى سيعينه ويُمكنه من الضلال . لذلك قلنا : إذا أحبَّ العبدُ شيئاً قال الله لعبده : أحببته يا عبدي سأبليك به ، كمن مات له عزيز مثلاً فحزن عليه حزناً شديداً وبالغ فيه واستمرأ الحزن ، فيقول الله له : أحببتَ الحزن وعشقته ، سوف أزيدك منه ، كلما تقادم جددته لك . لذلك قال أهل المعرفة : أغلقوا أبواب الحزن بمسامير الرضا ، لأنكم إنْ ألفتم الحزن وعشقتموه أدامه الله عليكم ، لأنه سبحانه ربكم والمتولي لأموركم ، ويعطي كلاً منكم بُغْيته ، حتى الكافر الذي أحب الكفر وعده الله أنْ يعينه عليه ، لذلك يختم على قلبه بحيث لا يدخله الإيمان ولا يخرج منه الكفر . ثم يستمر الرجل المؤمن من آل فرعون في نصحه لقومه فيقول : { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ … } .