Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 51-52)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا وعد منه سبحانه أنْ ينصر رسله وأنْ ينصر الذين آمنوا ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] لذلك قلنا : إذا رأيت قوماً نسبوا إلى الإسلام وانهزموا ، فاعلم أنه قد اختلَّتْ فيهم شروط النصرة ، وما داموا قد اختلت فيهم شروط النصرة فلا بدَّ أن يلقوا جزاء ذلك في الدنيا ، لأنها سنة لله لا تتبدل . قوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [ غافر : 51 ] جاءت بعد أن قام الرجل المؤمن من آل فرعون يؤيد موسى عليه السلام ، ويدعو بدعوته ، ويجهر بمنطق الحق أمام فرعون ، والمعنى : إنَّا لننصر رسلنا بأيِّ وسيلة من الوسائل ، لأن الله تعالى ما كان ليرسل رسولاً بمنهج جديد يهدي به الضالين ثم يُسلمه . لكن الحق سبحانه قد يترك أمر الدعوة في أولها تُضطهد وتُعاند من الخلق ليمحص أهل الدعوة وحتى لا يثبت من حملتها إلا الأقوياء الصناديد ، لأنهم هم الذين سيحملون هذه المهمة على أكتافهم يسيحون بها في الكون كله ، فلا غرابةَ أنْ يُمحَّصُوا ، وأن يختبر إيمانهم ومدى ثباتهم على المبدأ . رأينا هذا في المؤمنين الأوائل الذين حملوا راية الإسلام مع رسول الله ، فهاجروا إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة ، قال تعالى : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . أبداً ، والفتنة معناها عَرْض الناس على مِحَن وشدائد لا يثبت أمامها إلا أقوياءُ العقيدة الواثقون في الله وفي نصرة الحق ، والمؤمن الحق هو الذي يرى أن ما بشر به من الوعد والوعيد في الآخرة أمر واضح لا شكَّ فيه ، لأن الإنسان دائماً لا يخدع نفسه وإنْ خدع الآخرين . " لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا حذيفة : " كيف أصبحتَ يا حذيفة " ؟ قال : أصبحتُ بالله مؤمناً حقاً . ولما كانت كلمة حقاً هنا كلمة كبيرة المعنى سأله رسول الله : " وما حقيقة إيمانك " ؟ قال : عزفتْ نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها ومدرها ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون ، فقال له : " عرفتَ فالزم " . ومعنى { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ غافر : 51 ] أي : ينصرهم في الدنيا بأن يغلب حقهم على باطل خصومهم ، لذلك قال سبحانه : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] إذن : فهناك نُصْرة في الدنيا ونصرة في الآخرة . ثم يبين سبحانه أن ما يحدث في الآخرة عليه شهود متعددون يشهدون عليكم في الآخرة { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } [ غافر : 51 ] والأشهاد جمع شهود ، فالشهود يومئذ كثيرون ، تشهد الرسل والأنبياء : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ] . والمؤمنون يشهدون أنهم بلَّغوا مَنْ بعدهم : { هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ … } [ الحج : 78 ] وتشهد الأبعاض والأعضاء على صاحبها . وكذلك يشهد علينا الحفظة ، ويشهد الشهداء الذين قاتلوا فقُتِلوا ، لأن الإنسان قد يُدلس في حياته الدنيا لينعم عيشه لكنه لا يخدع نفسه أبداً بعد أنْ يموت ، فهو حريص أن يذهب به الموت إلى خير مما ترك ، ولذلك يجازيه الله . فلو تطوع إنسان لكي يجاهد في سبيل الله وهو يعلم أنه سيموت في سبيل الله يقول الله له : أنت متّ في الدنيا من أجلي فلا بدَّ أن تكون حياً عندي لذلك قلنا في فلسفة الشهادة لما تكلمنا عن سيدنا حمزة أن الشهادة جعلتْ لك من الموت عصمة ، كيف ؟ لأنك حين تختار الموت على الحياة وتستشهد تصير حياً عند الله ، فوصلتَ حياتك الأولى بحياتك عند الله بحياة البعث ، فكأنك لم تمُتْ . @ أحَمْزَة عَمّ المصْطفَى أنتَ سَيِّدٌ عَلَى شُهَداءِ الأرْضِ أَجْمعِهم طُرّا وَحَسْبُكَ مِنْ تلْكَ الشَّهادةِ عِصْمةٌ مِنَ الموْتِ في وَصْلِ الحيَاتَيْنِ بالأُخْرى @@ فمَنْ ضحَّى بحياته لله فكأنه قدَّمها تحيةً لربه وإعلاءً لمنهجه ، فبماذا يُحييك الله ، يحييك بأنْ يعصمك بعدها من الموت . ثم يقول سبحانه : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } [ غافر : 52 ] يعني : إن اعتذروا لا يُقبل منهم عذر ، وفي موضع آخر قال : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] كأنها مواقف متعددة ، مرة يعتذرون حين قالوا : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] ومرة لا يُؤذَن لهم في الاعتذار { وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [ غافر : 52 ] . بعد ذلك يتكلم الحق سبحانه عن موكب رسالة سيدنا موسى عليه السلام .