Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللام في لَخَلْقُ تدل على القسم ، وكأن الحق سبحانه يقول : وعزَّتي وجلالي لخَلْق السماوات والأرض أكبر من خَلْق الناس ، كيف ؟ قالوا : لأن الناس في الدنيا أعمارهم متفاوتة : واحد عمره لحظة ، وواحد عمره ساعة ، وواحد عمره مائة عام إلى عمر نوح عليه السلام ، فأين عمري من عمر الشمس مع أنها خُلقتْ لخدمتي ، أيكون الخادم أطولَ عمراً من المخدوم ؟ إذن : لا بدَّ أن لك عمراً آخر باقياً بعد ذهاب الشمس وغيرها من المخلوقات التي تخدمك ، وهذا لا يكون إلا في الآخرة . قالوا : العمر له طول لا يعلمه إلا الله وله عَرْض قد يفوق الطول ، وكذلك جعل له حجماً وعمقاً ، فالله الذي حدد العمر زمناً من الممكن أن الإنسان يأخذ عمره طولاً ، لكن يمكنه أن يزيد في عرضه فيكون العرض هو البُعد الأطول ، بمعنى أن يوسع دائرة نشاطه لينفع نفسه وينفع مجتمعه ويبقى له ذكرى طيبة بعد موته ، فكأنه أضاف بنشاطه إلى عمره أعماراً . لذلك نقول : إن أوطان الناس تتحدد على قدر هممهم ، فواحد وطنه نفسه يريد كل شيء له وهو ليس لأحد ، وهذا هو الأناني ، وواحد وطنه أسرته ، وآخر وطنه قبيلته ، وآخر وطنه بلده ، وواحد وطنه العالم كله ، فكلما ازدادت الهمّة اتسعتْ دائرة الوطن وزادتْ رقعته . وحين نقول : إن الشمس أطولُ عمراً مني نلاحظ أنك أيها الإنسان كائن حَيّ تأكل وتشرب ، أما الشمس فجماد لا تأكل ولا تشرب ، أنت لك قانونُ صيانة ويعتريك المرضُ وغيره لأنك ابنُ أغيار ، أما الشمس فليس لها شيء من هذا فليس لها قانون صيانة ولا يعتريها ما يعتريك ، وهي منذ خلقها الله تعمل دون توقّف ودون خَلَل ودون صيانة ، والآلة التي بهذا الوصف تدل على قدرة خالقها وعظمة مبدعها . لذلك نقول : إذا نظرنا إلى خَلْق السماوات والأرض لوجدناه فعلاً أكبر من خَلْق الناس : { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ غافر : 57 ] لكن ما معنى لاَ يَعْلَمُونَ الكون يقع تحت حواسِّنا ، ونراه بأعيننا ، وكان ينبغي حين نرى هذا الكون بما فيه من إبداع أن نفكر فيه ، وفي عظمة خَلْقه ودقَّة نظامه ، وكم هو محكم منضبط لا يتخلف أبداً . ألسنا الآن بالعلم نستطيع أنْ نحدد وقت الكسوف مثلاً بالدقيقة والثانية ؟ وكأن الحق سبحانه جنَّد حتى غير المسلمين لإظهار صدق آياته الكونية ، وكيف أنها منضبطة انضباطاً لا يمكن لأحد أنْ يفسده ، لذلك قلنا : إنك إذا رأيت خللاً أو فساداً في الكون فاعلم أن يد الإنسان المختار تدخلتْ فيه ، والشيء الذي نتركه على طبيعته لا يمكن أنْ نرى فيه خللاً أو فساداً .